الشاعر الرياضي
Well-Known Member

تقع لينشيا في طرف المجرى الأعلى للنهر الأصفر، تحيط بها الجبال من ثلاث جهات. وهي مدينة ثقافية عريقة ذات تاريخ يعود إلى خمسة آلاف سنة. ومنذ أن وحد الإمبراطور الأول لأسرة تشين (207ق.م – 221 ق.م) الصين ظلت لينشيا محطة ترانزيت على طريق الحرير، وكانت عاصمة دويلة تشين الغربية.
في فترة أسرتي تانغ وسونغ (618-1279 م)، كان يأتي إلى الصين كثير من التجار العرب والفرس، وقد استوطن نفر منهم لينشيا، التي كانوا يمرون بها في سفرهم، وهكذا تشكلت بدايات الوجود الإسلامي في لينشيا. في أوائل القرن الثالث عشر الميلادي، أسرت قوات جنكيز خان في حملاتها على آسيا الوسطى وغربي آسيا، عددا كبيرا من الجنود المسلمين، وكان يتم إرسال هؤلاء الجنود إلى لينشيا التي كانت وقتذاك موقعا عسكريا استراتيجيا، فازداد عدد مسلمي لينشيا. في عهد الإمبراطور يوان شي تسو من أسرة يوان، أعلن القائد المنغولي آن شي وانغ وجنوده الذين بلغ عددهم مائة وخمسين ألف جندي الدخول في الإسلام. وبعد فشل إنقلابهم ضد حكم أسرة يوان سافروا إلى لينشيا واستقروا فيها.

بلغ عدد المسلمين في لينشيا مليونا وتسعة وعشرين ألفا في نهاية عام ألفين وستة ، يشكلون إثنين وخمسين فاصلة سبعة في المائة من سكان الولاية، ينتمون إلى قوميات هوي ودونغشيانغ وباوآن وسالار وقازاق وويغور. وهم ويلتزمون بأركان الإسلام الخمسة وبالشريعة الإسلامية. والزراعة هي النشاط الاقتصادي الرئيسي للمسلمين في لينشيا، وإن كان بعضهم يمارس التجارة. وهم يتمسكون بتقاليدهم وعاداتهم الخاصة في الطعام والشراب واللباس ويحتفلون بالأعياد الصينية مثل عيد الربيع التقليدي الصيني وعيد يوان شياو والأعياد والمناسبات الإسلامية مثل شهر رمضان وعيد الأضحى الخ.
تلعب المساجد في لينشيا دورا لا غنى عنه في حياة المسلمين. حسب تقاليدهم، يسكن معظم مسلمي لينشيا في دور مستقلة عن بعضها. لا يمثل المسجد مكان الصلاة للمسلمين فحسب بل مركزَ حياتهم واقعيا وروحيا. عندما يرتفع آذان الفجر، ينهضون جميعا من نومهم لأداء الصلاة، ويحرصون على أداء الصلوات الخمس في المسجد. في المساء، تقام في المسجد دورات لتعاليم الإسلام، فالشباب، بعد انتهاء عملهم في النهار، يدرسون هذه التعاليم ويرفعون مستواهم في قراءة القرآن وتجويده وحفظه، أما ربات البيوت، فيأخذن دروسا إضافية حول العلوم الإسلامية الأساسية. وقد نجحت كثير من المسنات في لينشيا في تعلم كيفية الصلاة وتصحيح قراءة القرآن. وفي مناسبات الزفاف ينظم مكتب إدارة المسجد فريق التهنئة، ويقدم أدوات المائدة لأسرة العروسين كي تقيم مائدة الزفاف. وقبل التحاقهم بالمدرسة الابتدائية، يدرس الأطفال في المسجد قراءة القرآن كل يوم، ويؤدون الصلاة تحت إرشاد الكبار.

تعتبر القباب مشهدا آخرا مميزا في لينشيا. القبة التي تسمى في الصينية "قونغبي"عبارة عن مجموعة من قبور لشخصيات إسلامية محلية وقبور طلابهم واتباعهم والبنايات التابعة حسب المذاهب الدينية، حيث ينتمي مسلمو لينشيا إلى المذاهب الإسلامية الأربعة ، ويقيمون نشاطاتهم الدينية في القبة الخاصة بمذهبهم. تتميز قباب لينشيا بسمات تقليدية خاصة، فتتكون غالبا من الغرفة الرئيسية بلون الذهب وقاعة الصلاة والقبور التابعة. والقبة الرئيسية مبنية بهيكل خشبي من طابقين أو ثلاثة طوابق. فأكبر القباب هي قبة لينشيا الكبرى.
بالإضافة إلى ذلك، هناك أسلوب موسيقي مشهور في لينشيا وهو ألحان "هوا أر" التي تعتبر من أبرز التقاليد الشعبية الإسلامية في هذه المنطقة. وفي ختام حلقة اليوم، ندعوكم للاستماع إلى مقطوعة موسيقية من هذا النوع الموسيقي وتحمل عنوان "الزهور والشبان"، ونتمنى أن تساعدكم على معرفة الثقافة المميزة في هذه المنطقة بشكل أحسن.