- إنضم
- 7 أغسطس 2015
- المشاركات
- 1,497,774
- مستوى التفاعل
- 216,284
- النقاط
- 1,010
- الإقامة
- السعودية _ الأحساء ♥️
الخلاصـــــة :
إن مكارم الأخلاق من لوازم الحياة الصحيحة على الأرض ومن لوازم الأمم التي تنشد الرفعة والطهارة، فأخذت الشرائع السماوية كمال الإنسان غاية لها وبدأ الأنبياء عليهم السلام بالإرشاد والتربية والتزكية لهذه النفوس الجامحة التي تميل بطبعها للراحة والدعة، لذا وجدت ان نور الله في الأرض ، وحجج الله على الخلق ، وأصحاب البسط والقبض ، ووديعة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وخلفاؤه من بعده فينا خير من يحتذى بهم وبحسن خُلقهم ..
البقرة : 189 .( ويقول الله تعالى : ( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
ورأيت أن أبا الفضل العباس (عليه السلام) هو باب الإمام الحسين (عليه السلام) ، ومن أستطيع بوسيلته التمسك بحجزة خامس أهل الكساء وريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وألج عبره إلى سفينة نجاة أهل البيت (عليهم السلام ) .فكما إن الإمام عليا أمير المؤمنين (عليه السلام) باب علم مدينة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فكذلك أبو الفضل (عليه السلام) باب عناية أخيه الإمام الحسين (عليه السلام ) .ومع قلة بضاعتي وضعف بياني قررت أن أطرق باب الإمام الحسين (عليه السلام) ، فأكتب من فضائل أبي الفضل العباس (عليه السلام) ومناقبه ، وما تيسر لي انتقاؤه من كتب ومصادر، وما سمح لي التوفيق بجمع ما تفرق من خصائصه الكبرى ، وأنا أعترف بقصوري وعجزي عن درك ساحل يمه الوارف ، ونيل قليل مما يحويه بحر جوده الجارف ، وبلوغ وصف شيء مما يحمله من فضائل ومكارم .
المقدمـــــــة :
احمد الله الملك العلام ، واصلي واسلم على سيد الأنام الصادق بالحق بعد الظلام ، محمد وآله الكـرام . وبعـــــــد : إن البحث في علم الأخلاق ومحاسنها ومساوئها، والحث على التحلي بالأولى والتخلي عن الثاني يحتل محلا رفيعا بين العلوم، لشرف موضوعه، وسمو غايته فهو نظامها، وواسطة عقدها، ورمز فضائلها، ومظهر جمالها، إذ العلوم بأسرها منوطة بالخلق الكريم، تزدان بجماله، وتحلو بآدابه، فإن خلت منه غدت هزيلة شوهاء، تثير السخط والتقـزز.ورأيت أن أبا الفضل العباس (عليه السلام) هو باب الإمام الحسين (عليه السلام) ، ومن أستطيع بوسيلته التمسك بحجزة خامس أهل الكساء وريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وألج عبره إلى سفينة نجاة أهل البيت (عليهم السلام ) .فكما إن الإمام عليا أمير المؤمنين (عليه السلام) باب علم مدينة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فكذلك أبو الفضل (عليه السلام) باب عناية أخيه الإمام الحسين (عليه السلام ) .ومع قلة بضاعتي وضعف بياني قررت أن أطرق باب الإمام الحسين (عليه السلام) ، فأكتب من فضائل أبي الفضل العباس (عليه السلام) ومناقبه ، وما تيسر لي انتقاؤه من كتب ومصادر، وما سمح لي التوفيق بجمع ما تفرق من خصائصه الكبرى ، وأنا أعترف بقصوري وعجزي عن درك ساحل يمه الوارف ، ونيل قليل مما يحويه بحر جوده الجارف ، وبلوغ وصف شيء مما يحمله من فضائل ومكارم .
المقدمـــــــة :
فالأخلاق الفاضلة هي التي تحقق في الإنسان معاني الإنسانية الرفيعة، وتحيطه بهالة وضاءة من الجمال والكمال، وشرف النفس والضمير، وسمو العزة والكرامة، كما تمسخه الأخلاق الذميمة، وتحطه إلى مستوى الهمج والوحــــوش . فأثر الأخلاق ليس مقصورا على الأفراد فحسب، بل يسري إلى الأمم والشعوب، حيث تعكس الأخلاق حياتها وخصائصها ومبلغ رقيها، أو تخلفها في مضمار الأمم ، وقد زخر التاريخ بأحداث وعبر دلت على أن فساد الأخلاق وتفسخها كان معولا هداما في تقويض صروح الحضارات، وانهيار كثير من الدول والمماليك . وناهيك في عظمة الأخــلاق ، أن النبي (صلى الله عليه وآله) أولاها عناية كبـــرى ، وجعلها الهــدف والغايــة من بعثته ورسالته، فقــــال :
( بعثت لأتمم مكارم الأخلاق(. وهذا هو ما يهدف إليه علم الأخلاق، بما يرسمه من نظم وآداب ، تهذب ضمائر الناس وتقوم أخلاقهم، وتوجههم إلى السيرة الحميدة، والسلوك الأمثل . وتختلف مناهج الأبحاث الخلقية وأساليبها باختلاف المعنيين بدراستها من القدامى والمحدثين: بين متزمت غال في فلسفته الخلقية، يجعلها جافة مرهقة عسرة التطبيق والتنفيذ. وبين متحكم فيها بأهوائه، يرسمها كما اقتضت تقاليده الخاصة، ومحيطه المحدود، ونزعاته وطباعه، مما يجردها من صفة الأصالة والكمال. وهذا ما يجعل تلك المناهج مختلفة متباينة، لا تصلحان تكون دستورا أخلاقيا خالدا للبشرية
والملحوظ عند المقارنة بين تلك المناهج أن أفضلها وأكملها هو: النهج الإسلامي، المستمد من القرآن الكريم، وأخلاق أهل البيت (عليهم السلام)، الذي ازدان بالقصد والاعتدال، وأصالة المبدأ، وسمو الغاية، وحكمة التوجيــــه، وحسن الملائمة لمختلف العصور والأفكار .
وهو النهج الفريد الأمثل الذي يستطيع بفضل خصائصه وميزاته أن يسمو بالناس فردا ومجتمعا، نحو التكامل الخلقي، والمثل الأخلاقية العليا، بأسلوب شيق محبب، يستهوي العقول والقلوب، ويحقق لهم ذلك بأقرب وقت، وأيسر طريق .
إن منهج بحثي ومحوره يمثل الأخلاق والآداب المستوحاة من بلاغة أبي الفضل عليه السلام وحكمته وهو يسير على ضوء الوحي الإلهي، ويستلهم مفاهيمه، ويستقيم من معينه، ليحيلها إلى الناس حكمة بالغة، وأدبا رفيعا، ودروسا أخلاقية فذة ، تشع بنورها وطهورها على النفس، فتزكيها وتنيرها بمفاهيمها الخيرة وتوجيهها الهادف البناء.
من أجل ذلك تعشقت هذا النهج، وصبوت إليه، وآثرت تخطيط هذا البحث ورسمه على ضوئه وهداه.
ولئن اهتدى به أناس وقصر عنه آخرون، فليس ذلك بقادح في حكمته وسمو تعاليمه، وإنما هو لاختلاف طباع الناس، ونزعاتهم في تقبل مفاهيم التوجيه والتأديب، وانتفاعهم بها، كاختلاف المرضى في انتفاعهم بالأدوية الشافية، والعقاقير الناجعة: فمنهم المنتفع بها، ومنهم من لا تجديه نفعا
ومما يحز في النفس، ويبعث على الأسى والأسف البالغين، أن المسلمين بعد أن كانوا قادة الأمم، وروادها إلى الفضائل، ومكارم الأخلاق، قد خسروا مثاليتهم لانحرافهم عن آداب الإسلام، وأخلاقه الفذة، ما جعلهم في حالة مزرية من التخلف والتسيب الخلقيين
لذلك كان لزاما عليهم - إذا ما ابتغوا العزة والكرامة وطيب السمعة - أن يستعيدوا ما أغفلوه من تراثهم الأخلاقي الضخم، وينتفعوا برصيده المذخور، ليكسبوا ثقة الناس وإعجابهم من جديد، وليكونوا كما أراد الله تعالى لهم : (خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) آل عمران : 110 .
احمد الله سبحانه وتعالى كل الحمد واشكره جل شأنه كل الشكر ، إذ هداني لكتابة هكذا موضوع لم يكن ورائه غير مطلبي نيل الشفاعة وان يجعله في ميزان حسناتي يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم . وبحثي ما هو إلا قطرة في بحر اتجاه شخص لم تعرف الإنسانية مثله أبدا ولا الأقلام تستطيع وصفه مهما كتبت لأنه من قصد حصر مناقب أبي الفضل عليه السلام فقد ابتغى إلى الممتنع سبيلا ورام منه أمرا مستحيلا وبالله التوفيــــق .
المبـحــــــث الأول :
مفهوم الأخــــلاق :
الأخلاق في اللغة هي جمع خلق والخلق هو السجية والطبع والمروءة والدين ، وفي قاموس لنجمـان Langman) ) فقد جاء فيه أن الأخلاق ( Ethic ) تعني :
•أ- دراسة طبيعة المبادئ الخلقية والإحكام وأساسها .
•ب- مجموعة من المبادئ والقيــم .
•ت- مبادئ السلوك أو الآداب التي تحكم الفرد أو الجماعة .
•ث- استقامة التصرفات والإحكام وأخلاقياتها .
إما قاموس ( Webster ) فيصف الأخلاق على أنها ( التصرف وبشكل منضبط مع ما هو جيد وما هو سئ أو ما هو صحيح وما هو غير صحيح على وفق الالتزامات والواجبات الأخلاقية المحددة مسبقا ) .
ومن خلال ما أوردته المعاجم اللغوية فقد جاء مفهوم الأخلاق اصطلاحا على انه ( طباع الإنسان وسجيته ، يمارسها الإنسان بتلقائية شديدة ، وتكون فطرية أو مكتسبة ، وقد تكون طبعا أو تطبعا وهي مرتكز الإنسان وأساسه الذي يتعامل به مع الناس ومن خلالها يحكم على شخصيته ونفسيته . إما مفهوم الأخلاق كعلم مهمته وصف سلوك الإنسان ( هو مجموع ما يصدر من الإنسان في حياته الفردية أو الاجتماعية من الأفعال الذي يعرب عن فضيلة أو رذيلة نفسية هذا ما ذهبت إليه اللغة وبعض القواميس المعتمدة في وصف الأخلاق ) .
كما وتعتبر الأخلاق الركيزة الأساسية للإنسان الخارجي وتعني سلوك الإنسان وتصرفه مع نفسه ومجتمعه والعالم الخارجي ويعرف د. محمود عاطف الأخلاق بأنها فلسفة الصواب والأخطاء في السلوك . ( النوري ،2005 ، ص15 ).
والأخلاق بالمعنى الأدق ، هي الملكات النفسية المقتضية لصدور الأفعال بسهولة من دون احتياج إلى فكر ورويـــــــــة ، فان تحصيلها يحتاج إلى مجاهدة وتربية، من خلال التوجيه العقلي والقلبي والروحي، كيما تبنى على المباني الصحيحة الثابتة . ( البياتي ، 2001، ص 6 ) .
أهمية الأخـــــــلاق :
لتحديد البدايات الأولى لظهور الأخلاق لابد من التعرف على الأخلاق كونها تشكل القيم التي بمجموعها تميز ما هو جيد عما هو سئ والتي كانت مع الإنسان منذ خُلق . وبما إن السيرة بدأت مع آدم وزوجته في الجنة ، فظهرت الأخلاق مع بداية تلك المسيرة ، ومعصية الخالق والانتقال إلى الأرض ، كانت الدرس الأخلاقي الأول لأبي البشر والبشر جميعا .
فالقانون الأخلاقي الكامل في الدين هو الذي يرسم طريق المعاملة الإنسانية ، فالدين والأخلاق في أصلهما حقيقتان منفصلتا النزعة والموضوع ، ولكنهما يلتقيان في نهايتهما ينتظر كل منهما إلى موضوع الأخر من وجهة نظره الخاصة ، ففي الديانة اليهودية تتضح أهمية الأخلاق التي أكدها شارح العهد القديم بهذه العبارة (لابد من الالتزام الخلقي) وهنا إشارة واضحة إلى تبني الأخلاقيات والتأكيد عليها .
حيث إن كل الديانات تحمل في جوهرها قيم أخلاقية تؤكد على تبنيها كونها تتوافق مع نظرتها إلى الأخلاق فجاءت تعاليم الديانة المسيحية التي حددتها الوصايا المقدسة التي يحث عليها النبي عيسى (عليه السلام) لتشمل كل مناحي الحياة الإنسانية .
إما الإسلام فهو دين الوسط (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ) البقرة : 143 .
جاء ليحدد نظرته إلى الأخلاق في ضوء القرآن الكريم وتجسد السور القرآنية الدليل القاطع على أهمية الأخلاق وتحديد السلوكيات للبشر فلرواية هابيل وقابيل وكيف إن الحاسة الخلقية أمر فطري جبل علية الإنسان اثر واضح .
فالإسلام يحمل قواعد نظرية أخلاقية متكاملة تقود إلى الفضائل في أحسن ما تكون عليه ، وهذا ينبع من غاية رسالة الإسلام التي هي رحمة للعالمين ، وفي النص القرآني نجد إن كلمة (خلق) قد وردت مرتين الأولى في رد قوم هود (عليه السلام) وفق ما جاء في الآية الكريمة (إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ ) الشعراء : 137 .
وفي سورة أخرى جاء الخطاب من الله تعالى إلى النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وهو من كانت سيرته سنة يقتدى بها (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) القلم : 4 .
وتؤكد كتب السيرة انه لم يكن لبشر ما كان للنبي محمد (صلى الله عليه وآله) من الأخلاق ، ويصف الرسول دوره الرسالي بقوله ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) وهذا تأكيد على أهمية الأخلاق في بناء المجتمع الإسلامي .
( النوري ، 2005 ، ص 6- 9 ) .
كما وأكد الرسول (صلى الله عليه وآله) في كل أحاديثه على التمسك بأهل بيته من بعده والنهل من مرجعيتهم الفكرية والأخلاقية أكثر من تركيزه على إمامتهم السياسية ، كما نلاحظ ذلك في حديث الثقلين وحديث السفينة وغيرهما من الأحاديث . ( الخشن ، 2010 ، ص8 ) .
الفلسفة الأخلاقيــة :
هو ذلك المؤمن الذي يبسط المعرفة فيستنطقها عقائده ومبادئه وإيمانه ثم يستدل بالعقل والمنطق ، انه عالم الإنسان الكامل في المجتمع الفاضل في الحكم العادل الماثل بواقعيته وحقيقته ، وله في الإيمان معنى العقيدة الشاملة من حيث الخلق الجم والسلوك الاجتماعي السليم ، وان يزن المرء حديثه بميزات قوله ، فلا تفريط في القول ولا تقصير في العمل . ( العامر ، 2004، ص 18 ) .
قد يتبادر إلى بعض الناس إن المسلم مجرد آله يقوم بما فرضه الشرع الإسلامي بدون نظر أو تفكير ، ولكن الإمام علي (عليه السلام) وضح لنا إن سبيل المسلم المؤمن أبلجا واضحا على غير ذلك .
وقد نعتقد إن المسلم إذا تنسك وتصون وقام ليله وصام نهاره فقد كتب أعلى طبقات المؤمنين .
( مجموعة مؤلفين ،2004، ص34 ) .
الإسلام دين اجتماعي عملي واقعي ، وضع لكل عمل حدوده ومقاييسه ولكل حالة لبوسها ، وربط المجتمع بنظام دقيق للإخوة وللتكافل بضمان اجتماعي وضرائب تصاعدية وتجنيد إجباري للذود عن المجموع بفرض الجهاد . ( محبوبة ، 1979، ص 37 ) .
محاسن الأخـــــلاق :
إن معرفة محاسن الأخلاق تمثلت فيما أمر الله سبحانه وتعالى به ودعا إليه ، وفيما ظهر من سيرة الأنبياء والأولياء وأشرفهم وسيدهم خاتمهم محمد المصطفى الأكرم (صلى الله عليه وآله) الذي مدحه الله عز وجل في كتابه المجيد وكفى بذلك فخرا فقال يصفه (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) سورة القلم : 4 .
وقد كان المصطفى (صلى الله عليه وآله) صفحة قدسية نيرة من الأخلاق الربانية ، وقد دعا إلى مكارم الأخلاق بنفسه المقدسة حتى صارت الأخلاق الكاملة عنوانها المصطفى (صلى الله عليه وآله) ، وقد ورث أهل البيت صلوات الله عليهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله) علمه وأخلاقه ، حيث هم وارثوه في ذلك لا ينازعهم احد ، فهم أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومهبط الوحي .
ولم لا ؟ وهم ورثة من قال الله تعالى فيه (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) وورثة من قال : أدبني الله فأحسن تأديبي ، وبعد إن أدبه الله تعالى كان (صلى الله عليه وآله) مكلفا بتأديب الأمة ، ومن كلف بتأديب الأمة كان أولى به إن يؤدب أمته وأهل بيته وذوي الصلة به ، وقد دون التأريخ لنا إن آل رسول الله (صلى الله وعليه وآله) كانوا يحكون أخلاقه ، فتمثلت فيهم حتى أصبحوا ذكرى شاخصة للناس تذكر بأخلاق المصطفى (صلى الله عليه وآله) ، وأول أهل بيته تأسيا به واقتداء وتعلما منه هو الإمام علي (عليه السلام) فقد تربى في حجره ، وتغذى من علومه وآدابه ، ونشأ في منزله ، ولم يفارقه حتى فاضت نفس النبي (صلى الله عليه وآله) ورأسه في حجر علي (عليه السلام) .(البياتي ،2001، ص7)
ومن قبل ذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إنا أديب الله ، وعلي أديبي . ( الطبرسي، 2004، ص 16)
وقد أبدى أهل البيت (عليهم السلام) عناية خاصة بتأديب وتربية أبنائهم حتى أعدوهم إعدادا متكاملا ، فكانوا قمة ونموذجا أعلى في جميع مقومات الشخصية سواء كانوا معصومين أو قريبي العصمة كالعباس عليه السلام وقد عبر عنه بأن عصمته غير واجبة تمييزا عن العصمة الواجبة وهي عصمة الإمام .
ومن هنا أسلط الضوء في موضوع بحثي على شخصية تأدبت بأدب الرسول (صلى لله عليه وآله) والإمام علي (عليه السلام ) رغم كونها غير معصومة وهي شخصية قمر بني هاشم أبي الفضل العباس (عليه السلام) .
( العذاري ، 2005 ،ص 74 ) .
المبحـــث الثانـــــي :
نبذة مختصرة عن السيرة الشخصية للأمام العباس (عليه السلام) :
ليس في دنيا الأنساب نسب أسمى ولا ارفع من نسب أبي الفضل فهو من صميم الأسرة العلوية ، تلك الأسرة العريقة في الشرف والمجد .
أبيه : هو الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهما السلام) ، وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وباب مدينة علمه وختنه على حبيبته .
وأمه : هي فاطمة بنت حزام بن خالد العامرية السيدة الزكية المعروفة بـــــ (أم البنين) ، وقد تزوجها علي (عليه السلام) بعد استشهاد فاطمة الزهراء (عليها السلام) . ( القرشي ، 1992، ص23 ) .
وكان أول مولود زكي للسيدة أم البنين هو سيدنا المعظم أبو الفضل العباس (عليه السلام) ، فقد ازدهرت يثرب وأشرقت بولادته في اليوم الرابع من شهر شعبان المعظم سنة ست وعشرين هجرية (على هاجرها آلاف التحية والسلام)
في خرقة بيضاء ومقمطاً بها ، فأخذه وضمه إلى صدره ، ونثر قبلاته الحارّة على وجهه وخديه ، ثم أذن في أُذنه اليمنى وأقام في اليسرى ، وبعدها أخذ الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يطيل النظر إليه .وهنا تمطى المولود الجديد لاُم البنين في قماطه حتى قطعه ، وأخرج كلتا يديه من القماط ؛ مما أثار بذلك ذكريات الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) التي كانت في ذاكرته مما نزل بها جبرائيل في حق هذا الوليد الجديد من عند الله تبارك وتعالى على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وأخبره بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) من كيفية شهادته في نصرة الإمام الحسين (عليه السلام) في طف كربلاء . عندها اغرورقت عينا الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بالدموع ، وتناثرت قطرات الدمع على خديه كالدرر ورطبت كريمته الشريفة ، فنظرت إليه إحدى النسوة وقالت : ما يبكيك يا أبا الحسن ونحن في هذه الساعة من فرح وسرور ، وابتهاج وحبور ؟! فالتفت إليها أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يكفكف دموعه بيديه الكريمتين وقال لها ما مضمونه : " لا تلوموني ، فإني لما نظرت إلى هاتين اليدين وتمطيه في القماط تذكرت تمطيه على جواده في كربلاء ، وانفصال يديه عن جسمه يوم عاشوراء " ، ثم أخذ يبكي ويكثر من قوله (عليه السلام ) : مالي وليزيـد ؟ ( النجفي ،2004 ، ص 66 )
وعلى ما قيل التفتت ابنته عقيلة بني هاشم ، وربيبة الوحي والعصمة السيدة زينب الكبرى (عليها السلام) وقالت له : يا أبه ، هل اخترت لهذا المولود اسماً ، وانتخبت له كنية ولقباً ؟ فأجابها أبوها الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بعطف وإقبال: نعم يا بُنية ، لقد اخترت له كل ذلك ، فقالت (عليها السلام) بلهفة وتعطش : وما هي ؟ فقال (عليه السلام) : أما الاسم ، فاسمه العباس ؛ وأما الكنية ، فكنيته أبو الفضل ؛ وأما اللقب ، فلقبه قمر بني هاشم ، وقمر العشيرة ، والسقاء . ( النجفي ،2004 ، ص 69 ) .
كان العباس (عليه السلام) رجلا وسيما جميلا لذا كان يلقب بقمر بني هاشم . ( الاصفهاني ، 1965 ، ص 56 ) .
إلا انه كان عبوسا في وجه المنكر والباطل ، ومنطلق البسمات في وجه الخير ، وكان كما تنبأ فقد كان عبوسا في ميادين الحروب التي إثارتها القوى المعادية لأهل البيت (عليهم السلام) ، فقد دمر كتائبها وجندل إبطالها ، وخيم الموت على جميع قطاعات الجيش في يوم كربلاء ، ويقول الشاعر فيـــه :
عبست وجوه القوم خوف الموت والعباس فيهم ضاحك متبسم
أبو الفضل (عليه السلام) وعلم الأخــــــــلاق :
إن أبا الفضل العباس (عليه السلام) قد تخرج وهو متقن لهذه العلوم الثلاثة : أصول الدين ، وفروع الدين ، والأخلاق والآداب ، وغيرها من العلوم الإسلامية والإنسانية الأخرى من معهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وجامعة الأئمة من أهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) ، وعلى يدي أبيه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وأخويه الإمامين الهمامين الحسن والحسين (عليهما السلام ) . فهو إذاً عالم كامل ، وفقيه فاضل ، وأستاذ بارع ، وعالم متضلع بأمهات العلوم الإسلامية وأصولها ، وجذور الأخلاق الإنسانية وفروعها، هذا من جهة العلم والفضل ، وأما من جهة العمل والتطبيق الخارجي ، فقد كان أبو الفضل العباس (عليه السلام) من خصوصياته وامتيازاته أنه كان يعمل بما يعلمه ويفقهه ، ويطبق في حياته الفردية والاجتماعية معارفه وثقافاته تطبيقاً حرفياً دقيقاً بلا زيادة ولا نقصان ، لذا لابد لنا من الوقوف على شخصيته والاقتداء بسيرته الأخلاقية . ( النجفي ، 2004 ، ص ) الدروس الأخلاقية المستوحاة من ألقاب أبي الفضل العباس (عليه السلام) :
اللقب على ما عرفوه هو : ما يسمى به الإنسان بعد اسمه العلم من لفظ يدل على المدح والذم ، وحيث أن أبا الفضل العباس بن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان حاويا على جميع الخصال الحميدة ، وجامعا لكل الصفات الحسنة والخلال الخيرة ، كان كل ما لقب به دالا على المدح والثناء ، والتعظيم والتبجيل ولم يكن له (عليه السلام) هنالك قط لقب فيه دلالة على الذم والجفاء ، والخفة والشقاء ، وذلك لأنه (عليه السلام) لم يكن له ثغرة في حياته ، ولا منقصة في صفاته وخلاله حتى يستطيع أحد من أعدائه ومناوئيه مثلا نبزه بذلك اللقب ، وانتقاصه بتلك الثغرة والفجوة ، كيف وهو أبن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، واخو الإمامين الهمامين ريحانتي الرسول (صلى الله عليه وآله) وسيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين (عليهما السلام) ؟ وهو بالإضافة إلى نسبه الشريف ربيب أهل بيت الوحي والنبوة ، وأديب من تأدبوا على يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، علماً بأن الرسول (صلى الله عليه وآله) هو أديب الله تعالى ، فقد ورد عنه (صلى الله عليه وآله) في قوله لمشهور : " أدبني ربي فأحسن تأديبي " ، وعليه فقد ظهر من ذلك كله أن أبا الفضل العباس (عليه السلام) هو من ورث الفضائل والمكارم من معدنه ، وتخلق بالآداب والمحاسن من معينه ونميره ؛ ولذلك صار مجمعاً للجمال والكمال ، وأصبح منبعاً يفيض بالجود والنوال ، حتى قال فيه الشعراء قصائد المدح والثناء ، ونظموا فيه قوافي الخير والإطراء ، ومما جاء منظوماً في حقه (عليه السلام) ما قاله الشاعــر:
إن أبا الفضل العباس (عليه السلام) قد تخرج وهو متقن لهذه العلوم الثلاثة : أصول الدين ، وفروع الدين ، والأخلاق والآداب ، وغيرها من العلوم الإسلامية والإنسانية الأخرى من معهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وجامعة الأئمة من أهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) ، وعلى يدي أبيه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وأخويه الإمامين الهمامين الحسن والحسين (عليهما السلام ) . فهو إذاً عالم كامل ، وفقيه فاضل ، وأستاذ بارع ، وعالم متضلع بأمهات العلوم الإسلامية وأصولها ، وجذور الأخلاق الإنسانية وفروعها، هذا من جهة العلم والفضل ، وأما من جهة العمل والتطبيق الخارجي ، فقد كان أبو الفضل العباس (عليه السلام) من خصوصياته وامتيازاته أنه كان يعمل بما يعلمه ويفقهه ، ويطبق في حياته الفردية والاجتماعية معارفه وثقافاته تطبيقاً حرفياً دقيقاً بلا زيادة ولا نقصان ، لذا لابد لنا من الوقوف على شخصيته والاقتداء بسيرته الأخلاقية . ( النجفي ، 2004 ، ص ) الدروس الأخلاقية المستوحاة من ألقاب أبي الفضل العباس (عليه السلام) :
اللقب على ما عرفوه هو : ما يسمى به الإنسان بعد اسمه العلم من لفظ يدل على المدح والذم ، وحيث أن أبا الفضل العباس بن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان حاويا على جميع الخصال الحميدة ، وجامعا لكل الصفات الحسنة والخلال الخيرة ، كان كل ما لقب به دالا على المدح والثناء ، والتعظيم والتبجيل ولم يكن له (عليه السلام) هنالك قط لقب فيه دلالة على الذم والجفاء ، والخفة والشقاء ، وذلك لأنه (عليه السلام) لم يكن له ثغرة في حياته ، ولا منقصة في صفاته وخلاله حتى يستطيع أحد من أعدائه ومناوئيه مثلا نبزه بذلك اللقب ، وانتقاصه بتلك الثغرة والفجوة ، كيف وهو أبن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، واخو الإمامين الهمامين ريحانتي الرسول (صلى الله عليه وآله) وسيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين (عليهما السلام) ؟ وهو بالإضافة إلى نسبه الشريف ربيب أهل بيت الوحي والنبوة ، وأديب من تأدبوا على يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، علماً بأن الرسول (صلى الله عليه وآله) هو أديب الله تعالى ، فقد ورد عنه (صلى الله عليه وآله) في قوله لمشهور : " أدبني ربي فأحسن تأديبي " ، وعليه فقد ظهر من ذلك كله أن أبا الفضل العباس (عليه السلام) هو من ورث الفضائل والمكارم من معدنه ، وتخلق بالآداب والمحاسن من معينه ونميره ؛ ولذلك صار مجمعاً للجمال والكمال ، وأصبح منبعاً يفيض بالجود والنوال ، حتى قال فيه الشعراء قصائد المدح والثناء ، ونظموا فيه قوافي الخير والإطراء ، ومما جاء منظوماً في حقه (عليه السلام) ما قاله الشاعــر:
هو البحرُ من أيِّ النواحي أتيتهُ فلجّتهُ المعروفُ والجودُ ساحلُه
نعم ، إن أبا الفضل العباس (عليه السلام) قد حوى من المكارم والمحاسن ، ومن الأخلاق والآداب ما لا يمكن قصرهـــا في مجال ، ولا حصرها في مقال؛ ولذلك جاءت ألقابه الدالة على بعض من تلك المكارم والمحاسن والمشيرة إلى نماذج مـــن تلك الآداب والفضائل ، عديدة وكثيرة ، ورفيعة ومنيعة . ( النجفي ، 2004، ص 88 ) .
السقاء ( ساقي عطاشى كربلاء ) :
السقي هو دلالة على السخاء والكرم والجود ، والسخاء ضد (البخل) ، ولا ريب في كون السخاء من شرائف الصفــــات ومعالي الأخلاق ، وهو أصل من أصول النجاة ، وأشهر أوصاف النبيين واعرف أخلاق المرسلين ، وما ورد في مدحـــه خارج عن حد الإحصاء ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : " ما جعل الله أولياءه إلا على السخاء وحسن الخلـــــق " . ( النراقي ، 2006 ، ص 307 ) .
وقد ورث العباس (عليه السلام) عمل السقاية من أجداده الطاهرين وآبائه الكرام ، فقد كانت السقاية من مختصات بني هاشم دون سائر قريش ؛ وذلك لما كان يتصف به بنو هاشم من النبل والشرف ، والسخاء والكرم ، فقد كانوا هم وحدهم الأسخياء فيما يصرفونه من أموال ويبذلونه من طاقات في سبيل تأمين الماء ، وتأمين الطعام على ضيوف الرحمن وحجاج بيت الله الحرام ، وعلى غيرهم من سائر الناس ، وهذا مما اشتهر في الناس واعترف به حتى أعداؤهم ؛ فقد قال معاوية بن أبي سفيان العدو اللدود لبني هاشم : إذا لم يكن الهاشمي جواداً لم يشبه أصله . ( النجفي ، 2004 ، ص 106) .
واقتدى أبو الفضل العباس بأجداده وآبائه الطاهرين ، وبأخويه الكريمين الإمامين الهمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) في السقاية ، وانتحل لنفسه بكل اعتزاز وافتخار لقب (السقاء) ، وكان يقوم بالسقاية في كل مناسبة وفي كل فرصة تتيح له القيام بها ؛ وخاصة في كربلاء وعلى الأخص عندما منع ابن سعد الماء عن الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه ، وحرمها عليهم بأمر من يزيد وابن زياد .
السقاء ( ساقي عطاشى كربلاء ) :
السقي هو دلالة على السخاء والكرم والجود ، والسخاء ضد (البخل) ، ولا ريب في كون السخاء من شرائف الصفــــات ومعالي الأخلاق ، وهو أصل من أصول النجاة ، وأشهر أوصاف النبيين واعرف أخلاق المرسلين ، وما ورد في مدحـــه خارج عن حد الإحصاء ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : " ما جعل الله أولياءه إلا على السخاء وحسن الخلـــــق " . ( النراقي ، 2006 ، ص 307 ) .
وقد ورث العباس (عليه السلام) عمل السقاية من أجداده الطاهرين وآبائه الكرام ، فقد كانت السقاية من مختصات بني هاشم دون سائر قريش ؛ وذلك لما كان يتصف به بنو هاشم من النبل والشرف ، والسخاء والكرم ، فقد كانوا هم وحدهم الأسخياء فيما يصرفونه من أموال ويبذلونه من طاقات في سبيل تأمين الماء ، وتأمين الطعام على ضيوف الرحمن وحجاج بيت الله الحرام ، وعلى غيرهم من سائر الناس ، وهذا مما اشتهر في الناس واعترف به حتى أعداؤهم ؛ فقد قال معاوية بن أبي سفيان العدو اللدود لبني هاشم : إذا لم يكن الهاشمي جواداً لم يشبه أصله . ( النجفي ، 2004 ، ص 106) .
واقتدى أبو الفضل العباس بأجداده وآبائه الطاهرين ، وبأخويه الكريمين الإمامين الهمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) في السقاية ، وانتحل لنفسه بكل اعتزاز وافتخار لقب (السقاء) ، وكان يقوم بالسقاية في كل مناسبة وفي كل فرصة تتيح له القيام بها ؛ وخاصة في كربلاء وعلى الأخص عندما منع ابن سعد الماء عن الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه ، وحرمها عليهم بأمر من يزيد وابن زياد .
إذا كانَ ساقي الناسِ في الحشــرِ حيـــــدرٌ فـساقي عُطاشى كربلاءِ أبو الفضلِ
على أنّ ساقـــي النـــــــاسِ في الحشـــر قلبُهُ مـريــــــعٌ وهــــــــــذا بالظمـا قـلبـــــهُ يغلــــي
على أنّ ساقـــي النـــــــاسِ في الحشـــر قلبُهُ مـريــــــعٌ وهــــــــــذا بالظمـا قـلبـــــهُ يغلــــي
إن في البيتين الأوليين إشارة إلى أمرين مهمين يتطلبان الوقوف عندهما قليلاً ، وهمـــــا :
الأمر الأول : فيهما إشارة إلى مقام السقاية وعظم مكانتها ، والمماثلة بين ساقيين أحدهمـــا أعظم من الآخر وأكبر درجـــــــة عند الله ، وهو الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وذلك في يوم القيامة الكبرى وعلى حوض الكوثر، والآخر هو ابـــن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أبو الفضل العباس (عليه السلام) ، وذلك في يوم عاشوراء يوم القيامة الصغرى وعلى نهر الفرات .
الأمر الثاني : فيهما إشارة إلى عظمة الساقي وكبير فضله ، والمقارنة بين موقفي الساقيين أحد الموقفين أرقمن الموقف الآخر وأشجى للقلوب ، وهو إن ساقي العطاشى في كربلاء أبا الفضل العباس (عليه السلام) كان يغلي قلبه من شدة العطش والظمأ ، مع أن الساقي يقتضي أن يكون راوياً هانياً لأنه صاحب ماء ؛ إذ لو لم يكن له ماء فكيف يصح أن يكون ساقياً ؟! ( النجفي ، 2004 ، ص113) .
حامل اللـــــــواء :
من المعلوم أن اللواء لا يعقد إلا لمن عرف بالشجاعة والشهامة ، والنبل والشرف ؛ لأن حامل اللواء هو من يريد ضم كل أفراد الجيش تحت لوائه ، ودرجهم في سلكه وظلاله ، فلا بدأن يكون ممن يقبله الجميع ، ويرتضيه الكل حيث الشرف والشجاعة حتى ينتظموا في سلكه وينضووا تحت لواءه ، والشجاعة ضد (الجبن) ، وهي شدة القلب على البأس واصطلاحا هي الإقدام على المكاره والمهالك وثبات الجأش على المخاوف والاستهانة بالموت ، ولا ريب في أنها اشرف الملكات النفسية وأفضل الصفات الكمالية ، والفاقد لها برئ عن الفحلية والرجولة ، وقد وصف الله خيار الصحابة بها في قولـه " أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ " سورة الفتح : 29 . وأمر نبيه بها بقوله " وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ " التوبة : 73 .الأمر الأول : فيهما إشارة إلى مقام السقاية وعظم مكانتها ، والمماثلة بين ساقيين أحدهمـــا أعظم من الآخر وأكبر درجـــــــة عند الله ، وهو الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وذلك في يوم القيامة الكبرى وعلى حوض الكوثر، والآخر هو ابـــن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أبو الفضل العباس (عليه السلام) ، وذلك في يوم عاشوراء يوم القيامة الصغرى وعلى نهر الفرات .
الأمر الثاني : فيهما إشارة إلى عظمة الساقي وكبير فضله ، والمقارنة بين موقفي الساقيين أحد الموقفين أرقمن الموقف الآخر وأشجى للقلوب ، وهو إن ساقي العطاشى في كربلاء أبا الفضل العباس (عليه السلام) كان يغلي قلبه من شدة العطش والظمأ ، مع أن الساقي يقتضي أن يكون راوياً هانياً لأنه صاحب ماء ؛ إذ لو لم يكن له ماء فكيف يصح أن يكون ساقياً ؟! ( النجفي ، 2004 ، ص113) .
حامل اللـــــــواء :
إذ الشدة والغلظة من لوازمها وأثارها والإخبار مصرحة بأنصاف المؤمن بها . قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في وصف المؤمن : " نفسه أصلب من الصلد " .( النراقي ، 2006 ، ص 148 ) .
وقد ورث أبو الفضل هذه الصفة الكريمة من أبيه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام الذي هو أشجع إنسان في دنيا الوجود ، كما ورث هذه الصفة من أخواله الذين تميزوا بهذه الظاهرة ، وعرفوا بها من بين سائر الإحياء العربية .
( القرشي ، 1992 ، ص 55 ) .
وقد روي عن زهير بن القين للعباس (عليه السلام) : ( أحدثك بحديث وعيته ، لما أراد أبوك إن يتزوج طلب من أخيه عقيل - وكان عارفا بأنساب العرب - إن يختار له امرأة ولدتها الفحولة من العرب ليتزوجها فتلد غلاما شجاعا ينصر الحسين بكربلاء ، وقد أدخرك أبوك لمثل هذا اليوم ) . ( العذاري 2005 ، ص44) .
لذلك عقد الإمام الحسين (عليه السلام) لأخيه أبي الفضل العباس (عليه السلام) لواءً ودفعه إليه منذ خروجه من الحجــاز متوجهاً إلى العراق وكان اللواء الأعظم يوم عاشوراء بيده ، ولذلك كلما أستأذن للبراز قال له الإمام الحسين (عليه السلام) : " أنت صاحب لوائي ، وإذا مضيت تفرق عسكري " . ( النجفي ، 2004 ، ص 135 ) .
ووصف الشاعر العلوي السيد جعفر الحلي في رائعته ما مني به الجيش الأموي من الرعب والفزع من أبي الفضل (عليه السلام) :
بــطـل إذا ركب المطهـم خلتــــه جبـــلآ أشـــم يخـــــف فيــــه مطهـــــــم
قسمـآ بصارمه الصقيل واننـــي في غير صاعقة السماء لا اقسم
لولا القضا لمحا الوجود بسيفه والله يقضــــي مـــا يشــــاء ويحكــــــــم
قسمـآ بصارمه الصقيل واننـــي في غير صاعقة السماء لا اقسم
لولا القضا لمحا الوجود بسيفه والله يقضــــي مـــا يشــــاء ويحكــــــــم
لقد كان سيف أبي الفضل صاعقة مدمرة قد حلت بأهل الكوفة ، لولا قضاء الله لأتى العباس على الجيش ، ومحاهم من ساحة الوجود . ( القرشي ، 1992 ، ص 57 ) .
حامي الظعينـــة :
إن الغيرة الإسلامية والإنسانية ، والكرامة النفسية والاجتماعية تحث الإنسان إلى حماية نسائه وأطفاله ، وتحضه على توفير الأمن والأمان لهم ، وتدعوه إلى حياطتهم ورعايتهم ، وذلك في كل مكان وزمان ، في السفر والحضر ، وفي الحل والترحال ، وفي النزول والركوب .( النجفي ، 2004، ص151 ) .
وحماية الضعينة (وهي المرأة في الهودج) تتطلب من حاميها وكافلها غيرة وحمية ، والغيرة والحمية هي السعي في المحافظة ما يلزم محافظته ، وهو من نتائج الشجاعة وكبر النفس وقوتها ، وهي شرائف الملكات ، و بها تتحقق الرجولية والفحلية ، والفاقد لها غير معدود من الرجال . قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : " إن الله لغيور ، ولأجل غيرته حرم الفواحش " . ( النراقي ، 2006 ، ص182 ) .
ولقد نال أبو الفضل العباس (عليه السلام) وبكل جدارة لقب حامي الظعينة ، وتفوّق في تضحيته من أجل ظعائن الرسالة والإمامة على جميع أقرانه ممن ضرب به المثل في هذا المجال ، كربيعة بن مكدم الكناني ، وكان ربيعة واحداً من بني فراس بن غنم ، حيث عرف بحامي الظعن حياً وميتاً ، وأثنى عليه الشعراء وتغنوا بموقفه الشجاع فخراً واعتزازاً ، وترنموا بكبير شهامته وشدة غيرته على ظعنه في كل موطن وموقف . حيث يقول السيد جعفر الحلي وهو يخاطب أبا الفضل العباس (عليه السلام ) :
حامي الظعينةِ أينَ منهُ ربيعــــةٌ أم أيـنَ مـن عليا أبيهِ مكـــــدّم
ولكن أين ربيعة بن مكدم من أبي الفضل العباس بن علي (عليهما السلام) ؟ إن ربيعة لو كان حياً لافتخر بغيرة العباس على ظعائنه ، ولاندهش من شدة غيرته ، وعظيم حيطته ورعايته لظعائنه ، وهكذا فاق أبو الفضل العباس (عليه السلام) كل أقرانه في هذه المكرمة النبيلة ، وزاد عليهم أيضاً في التضحية من أجلها ، والفداء في حمايتها حياً وميتاً ، حتى صار هو وحده الجدير بهذا اللقب الكريم حامي الظعينة .( النجفي ، 2004 ، ص 152 ) .كبش الكتيبــــة :
البطولة مرتبطة بالأخلاق ارتباطا شديدا، فالبطل لا يميل إلا إلى الواجب، ولا يخون الأمانة. وترتقي البطولة كلما تعلقت بالغايات العظيمة، والبطولة التي لا يبغي البطل من ورائها مجدا وصيتا، أو يسعى إلى الكيد إلى خصم، أو تحقيق منفعة مادية، هي البطولة السامية، التي لا تموت بموت صاحبها، بل تظل باقية حين تؤثر في أتباع البطل ومريديه، أو ترفعه إلى أن يكون مثلا أعلى يحتذى به على مر الزمن . وإن الكبش لا يطلق في الحرب على أحد إلا على من تكاملت فيه معاني البطولة ، واجتمعت فيه خصال الرجولة والفروسية ، وأبا الفضل العباس (عليه السلام) هو الذي فاز بهذا اللقب الكبير (كبش الكتيبة) من بين أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) ، وأهل بيته الذين استشهدوا معه في يوم عاشوراء ، ولقد وسمه به أخوه الإمام الحسين (عليه السلام) ، ومنحه إياه تقديراً على شجاعته وبطولته ، وتبجيلاً إياه على شهامته ومراجله .
وما قصة عرض الأمان عليه الذي جاء به الشمر من عند ابن زياد ، ولعبة إغرائه بالمال ، وعرض إمارة جيش ابن زياد عليه إلا خوفاً من سيفه وصارمه ، وذعراً من صولاته وسطواته ، وتخلصاً من شدته وبأسه . فلقد كانوا عرفوه من صفين وهابوه منها ؛ لما أبدى فيها من شجاعة وشهامة ، وصلابة وبسالة فكانوا لا ينامون ولا يهدؤون خوفاً من قوة ساعده وفتك صمصامه . مما يدل كل ذلك على إنه (عليه السلام) قد نال بجدارة وسام كبش الكتيبة ، وكبش كتيبة الإمام الحسين (عليه السلام ) . ( النجفي ، 2004 ، ص 147 ) .
وقال الأُزري في رثائه للعباس (عليه السلام ) :
اليومُ بانَ عن الكتائبِ كبشُها اليومُ فلَّ عن البنود نظامُهــا
الصديـــــق :
الصدق ضد ( الكذب ) وهو اشرف الصفات المرضية ، ورئيس الفضائل النفسية ، وما ورد في مدحه وعظم فائدته من الآيات والإخبار مما لا يمكن إحصاؤه . ( النراقي ، 2006 ، ص 428 ) . الأحزاب : 23
(اللَّهَ عَلَيْه قال تعالى : ( رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا
والصديق : هو الدائم التصديق ، ويكون الذي يُصدق قوله بالعمل ، وقيل : الصديق هو المبالغ في الصدق ، وقيل : كل من صدق بكل أمر الله لا يتخالجه في شيء منه شك ، وصدق النبي (صلى الله عليه وآله) فهو صديق ، وهو قول الله تعالى : ( هُمُ الصّدّيقُونَ وَالشّهَدَاءُ عِندَ رَبّهِمْ ) الحديد : 19 .
وفي عيون الأخبار مسنداً عن النبي (صلى الله عليه وآله) انه قال : " لكل اُمة صديق وفاروق ، وصديق هذه الأمة وفاروقها علي بن أبي طالب (عليه السلام) " .
وفي روضة الكافي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، قال في خطبته المعروفة بخطبة الوسيلة : "وإني النبأ العظيم ، والصديق الأكبر " . ( النجفي ، 2004 ، ص197 ) .
وهو أيضاً الصديق بالمعنى الخاص للصديق ، فقد شهد الإمام الصادق (عليه السلام) ـ كما في الزيارة المأثور عنه بالصدق في خصوص أبي الفضل العباس (عليه السلام) حيث يقول مخاطبا إياه : " السلام عليك أيها الولي الصالح , الناصح الصديق " . وفي زيارته الأخرى قال (عليه السلام) : " أشهد لك بالتسليم والتصديق " . ( النجفي ، 2004 ، ص 199 ) .
(اللَّهَ عَلَيْه قال تعالى : ( رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا
والصديق : هو الدائم التصديق ، ويكون الذي يُصدق قوله بالعمل ، وقيل : الصديق هو المبالغ في الصدق ، وقيل : كل من صدق بكل أمر الله لا يتخالجه في شيء منه شك ، وصدق النبي (صلى الله عليه وآله) فهو صديق ، وهو قول الله تعالى : ( هُمُ الصّدّيقُونَ وَالشّهَدَاءُ عِندَ رَبّهِمْ ) الحديد : 19 .
وفي عيون الأخبار مسنداً عن النبي (صلى الله عليه وآله) انه قال : " لكل اُمة صديق وفاروق ، وصديق هذه الأمة وفاروقها علي بن أبي طالب (عليه السلام) " .
وفي روضة الكافي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، قال في خطبته المعروفة بخطبة الوسيلة : "وإني النبأ العظيم ، والصديق الأكبر " . ( النجفي ، 2004 ، ص197 ) .
وهو أيضاً الصديق بالمعنى الخاص للصديق ، فقد شهد الإمام الصادق (عليه السلام) ـ كما في الزيارة المأثور عنه بالصدق في خصوص أبي الفضل العباس (عليه السلام) حيث يقول مخاطبا إياه : " السلام عليك أيها الولي الصالح , الناصح الصديق " . وفي زيارته الأخرى قال (عليه السلام) : " أشهد لك بالتسليم والتصديق " . ( النجفي ، 2004 ، ص 199 ) .
العبد الصالـــح :
إن الثبات والصلابة ضد الاضطراب في الأهوال والشدائد ، وهو ملكة التحمل على الخوض في الأهوال وقوة المقاومة مع الشدائد والآلام ، بحيث لا يعتريه الانكسار ، وان زادت أو كثرت ، ومن جملة الثبات الثبات على الإيمان ، وهو اطمئنان النفس في عقائدها بحيث لا يتزلزل فيها بالشبهات ، قال الله تعالى ( يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ ) . إبراهيم : 27 .
وهذا الاطمئنان من شرائط كسب الكمال وفضائل الإعمال . ( النراقي ، 2006 ، ص 180 ) .
وقوة الإيمان بالله وصلابته من ابرز العناصر في شخصية أبي الفضل (عليه السلام) ومن أوليات صفاته ، فقد تربى في حجور الإيمان ومراكز التقوى ، ومعاهد الطاعة والعبادة لله تعالى ، فقد غذاه أبوه زعيم الموحدين وسيد المتقين بجوهر الإيمان ، وواقع التوحيد ، لقد غذاه بالإيمان الناشئ عن الوعي والتدبير في حقائق الكون وإسرار الطبيعة ، ذلك الإيمان الذي أعلنه الإمام (عليه السلام) بقوله : " لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا " وقد تفاعل هذا الإيمان العميق في أعماق قلب أبي الفضل وفي دخائل ذاته حتى صار من عمالقة المتقين والموحدين .( القرشي ،1992 ، ص 59 ) .
وإن تركيب كلمة العبد مع كلمة الصالح والتعبير به عن الإمام الصادق (عليه السلام) في حق أبي الفضل العباس (عليه السلام) ينبئ عن عظيم إيمان أبي الفضل العباس (عليه السلام) بالله ، وشدة عبوديته له ، وكبير إخلاصه وتسليمه لأمر الله ، وجميل هديه وصلاحه في نفسه إذ العبودية لله تعالى هي في نفسها منزلة المعصومين من الأنبياء والأوصياء ، وما مدح الله أنبياءه إلاّ بأنهم عباده ، كما لم يعتز الأنبياء والأولياء إلا بكونهم عباد الله ، فإذا قرنت العبودية لله بالصلاح والهدى ازدادت نظارة وجمالاً ، وعلواً وارتفاعاً .
ولعل أسمى المنازل وأرفع المقامات ، وأرقى الأوسمة ، وأرفع النياشين لأبي الفضل العباس (عليه السلام) هو وسام ونيشان العبد الصالح ، الذي وسمه به الإمام الصادق (عليه السلام) ، وذلك في زيارته المعروفة التي نقلها عنه أبو حمزة الثمالي ، والتي جاء فيها : )السلام عليك أيها العبد الصالح ، المطيع لله ولرسوله ولأمير المؤمنين والحسن والحسين صلى الله عليهم وسلم( . (النجفي ،2004 ، ص 162 ) .
وكان من صلابة إيمان أبي الفضل ( عليه السلام ) انطلاقه في ساحات الجهاد بين يدي ريحانة رسول الله حتى قدم نفسه وإخوته قرابين خالصة لوجه الله وليس بدافع من الدوافع المادية ، كما أعلن ذلك في رجزه يوم الطف وكان ذلك من أوثق الأدلة على إيمانه . ( القرشي ،1992 ، ص 43 ) .
فالإيمان شرط أساسي لتحقيق حالة العلو والنصر والغلبة ، وعدم الانهيار إمام الهزات الطارئة ، وليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ، ولكن الإيمان ما خلص في القلوب وصدقته الإعمال . ( الشامي ، 2004 ، ص 30 ) .
الطيــــار :
التضحية هي بذل النفس أو الوقت أو المال لأجل غاية أسمى، ولأجل هدف أرجى، مع احتساب الأجر والثواب على ذلك عند الله عز وجل ، والتضحية مرادفة ( الفداء ) ، ومن معانيها : البذل والجهاد.
وإن الإمام زين العابدين (عليه السلام) أطلق اسم الطيار على عمه أبي الفضل العباس (عليه السلام) ؛ وذلك لتضحيته الكبيرة بيمينه وشماله التي قطعهما العدو حتى ضم اللواء الى صدره ، وهو يقول :
يا نفسُ لا تخشي من الكفّارِ وأبـشري بـرحمةِ الجبّـــــــارِ
مـع الـنبـــيِّ السيّــــــدِ المختارِ قـد قطعوا ببغيهم يساري
فـأصلهم يا ربِّ حرَّ النارِ
مـع الـنبـــيِّ السيّــــــدِ المختارِ قـد قطعوا ببغيهم يساري
فـأصلهم يا ربِّ حرَّ النارِ
عند ذلك أمن الأعداء سطوة أبي الفضل العباس (عليه السلام) وبأسه ، ولم يرهبوا بعد من سيفه ورمحه ، ولا من ضربه وطعنه. فتكاثروا عليه من كل جانب ينتقمون منه ويمثلون به ، وأتته السهام كالمطر ، فأصاب القربة سهم وأُريق ماؤها ، وجاء سهم فأصاب صدره ، وسهم آخر أصاب عينه ، وحمل عليه رجل فقطع رجله اليمنى ، ثم حمل عليه آخر فقطع رجله اليسرى ، ثم حمل عليه ثالث فضربه بعمد من حديد على رأسه ففلق هامته ، وهوى (عليه السلام) عندها من على ظهر جواده إلى الأرض ، وهو ينادي : يا أخاه ! أدرك أخاك . فأتاه الإمام الحسين (عليه السلام) ، فلما رآه بتلك الحالة انحنى عليه وبكى بكاءً شديداً عالياً ، وقال :
وا أخاه ! واعباساه ! الآن انكسر ظهري ، وقلت حيلتي ، وشمت بي عدوي " . ( النجفي ، 2004 ، ص181 ) .
عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) قال : " رحم الله عمي العباس ، فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه , فأبدله الله بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب (عليه السلام) . وإن للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة " .
ومن المعلوم إن كلمة (جميع) في قول الإمام زين العابدين (عليه السلام) : " يغبطه بها جميع الشهداء " عامة وشاملة ، فتشمل غير المعصومين عامة حتى مثل حمزة بن عبد المطلب وجعفر بن أبي طالب ؛ فإنهم جميعاً يغبطون العباس بن علي (عليه السلام) على منزلته ومقامه عند الله في القيامة ، وما ذلك إلا لعظيم بلائه ، وشديد محنته ، وكبير رزيته ؛ حيث إن جيش بني اُمية في كربلاء نكلوا به ، ومثلوا بجسمه وهو حي ؛ وذلك حنقاً منهم عليه ، وحقداً وغيظاً منهم له ، وانتقاماً من شجاعته وشهامته . ( النجفي ، 2004 ، ص185 ) .
المواســـي : وا أخاه ! واعباساه ! الآن انكسر ظهري ، وقلت حيلتي ، وشمت بي عدوي " . ( النجفي ، 2004 ، ص181 ) .
عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) قال : " رحم الله عمي العباس ، فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه , فأبدله الله بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب (عليه السلام) . وإن للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة " .
ومن المعلوم إن كلمة (جميع) في قول الإمام زين العابدين (عليه السلام) : " يغبطه بها جميع الشهداء " عامة وشاملة ، فتشمل غير المعصومين عامة حتى مثل حمزة بن عبد المطلب وجعفر بن أبي طالب ؛ فإنهم جميعاً يغبطون العباس بن علي (عليه السلام) على منزلته ومقامه عند الله في القيامة ، وما ذلك إلا لعظيم بلائه ، وشديد محنته ، وكبير رزيته ؛ حيث إن جيش بني اُمية في كربلاء نكلوا به ، ومثلوا بجسمه وهو حي ؛ وذلك حنقاً منهم عليه ، وحقداً وغيظاً منهم له ، وانتقاماً من شجاعته وشهامته . ( النجفي ، 2004 ، ص185 ) .
الوفاء ضد (الجفاء) ، وهو الثبات على الحب ولوازمه وإدامته إلى الموت . ولولا الوفاء في الحب لما كانت فيه فائدة ، إذ الحب إنما يراد للآخرة ، فأن انقطع قبل الموت لضاع السعي وحبط العمل .
والوفاء بالمحبة تمامها ، ومن أثار الوفاء إن يكون شديد الجزع من مفارقته ، و الآ يسمع بلاغات الناس عليه ، وان يحب صديقه ويبغض عدوه ، وليس من الوفاء موافقة الأخ فيما يخالف الحق في أمر يتعلق بالدين ، بل من الوفاء المخالفة له وإرشاده إلى الحق . ( النراقي ، 2006 ، ص585 ) .
وتعتبر تلك الخصيصة من أنبل صفات أبي الفضل (عليه السلام) وأميزها ، فقد ضرب الرقم القياسي في هذه الصفة الكريمة وابلغ أسمى حد لها فقد كان وفي لدينه وأمته ووطنه وأخيه . ولكن وفائه لأخيه كان من أروع صور الوفاء ، فقد روي في كتب التأريخ أن جيش بني أمية بقيادة ابن سعد لما أغاروا على مخيم الإمام الحسين (عليه السلام) بعد الظهر من يوم عاشوراء ونهبوا ما فيه ، وكذلك جمعوا ما في ساحة الحرب من غنائم وبعثوا بها إلى الشام كان في جملتها اللواء الذي كان يحمله العباس (عليه السلام) ، فلما وقع عين يزيد عليه وأجال بصره فيه تعجب هو ومن كان معه ، حيث رأوا أن هذا اللواء لم يسلم منه مكان إلا محل قبضته وموضع اليد منه ، فسأل يزيد متعجباً وهو يقول : من كان يحمل هذا اللواء في كربلاء ؟
قالوا : العباس بن علي (عليه السلام) ، فلما سمع يزيد بأن حامله كان هو العباس (عليه السلام) قام من مكانه وجلس ثلاث مرات ؛ تعجباً من شجاعة العباس (عليه السلام) ، واندهاشاً من شهامته وبطولته ، ثمّ التفت إلى من حضره وقال : انظروا إلى هذا العلم ، فإنّه لم يسلم من الطعن والضرب إلا مقبض اليد التي تحمله ! إشارة إلى أن سلامة المقبض دليل على شجاعة حامله وشهامته ، حيث كان يتلقى كل الضربات والرشقات بصبر وصمود دون أن يترك اللواء لينتكس ويدعه ليسقط . ثم قال : أبيت اللعن يا عباس ! هكذا يكون وفاء الأخ لأخيه . وهذا اعتراف من العدو في حق العباس (عليه السلام )، والفضل ما شهدت به الأعداء . ( النجفي ، 2004 ، ص 138) .
قمر العشيرة ( قمر بني هاشم ) :
إن صباحة الوجه ووضاءته من النعم الإلهية على الإنسان ، وقد جاء في تفسير قوله تعالى : ( يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ) فاطر:1 ، هو الوجه الحسن ، والصوت الحسن ، والشعر الحسن ، وبرواية أخرى : ( إن الله جميل ويحب الجمال) .
وقيل : ما أحسن لو يجمع الجمال مع حسن الفعال . يعني بأن يجمع إنسان جمال السيرة وجمال الصورة .
هذا وقد كان أبو الفضل العباس (عليه السلام) من أولئك القلائل المتميزين ، بل المنفردين في عالم الجمال وحسن الفعال معاً ، فقد حاز (عليه السلام) جمال السيرة في أعلى مراتبه ، كما أنه قد فاز بجمال الصورة في أرفع مراقيه أيضاً ، حتى اشتهر في الناس بقمر بني هاشم وبقمر العشيرة .
ومن الطبيعي لكل عشيرة وقبيلة أن تنتخب نوادر شخصياتها ونوابغ رجالها ؛ لتجعلهم قدوة تقتدي بهم ، وأُسوة حسنة لغيرهم ، وعلماً تفتخر على الآخرين بهم ، ونبراساً تستلهم من نورهم .والعباس ابن أمير المؤمنين (عليه السلام) هو من تفوق بين القبيلتين في كل معاني الخير والجمال ، والشجاعة والشهامة ، والفصاحة والنباهة . لقد كان في حسن السيرة والأخلاق قمة ، وفي جمال الوجه والمحيا روعة . كان وجهه كالقمر ليلة البدر ، حيث إنه ورث الجمال من آبائه وأجداده ، وفعاله كالشمس في ضاحية النهار ، حيث إنّه قد تأدب على يدي أبيه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وأخويه الإمامين الهمامين الحسن والحسين (عليها السلام) ؛ ولذلك أسرع بنو هاشم عشيرته من ناحية الأب إلى الافتخار به والاعتزاز بشخصيته ، فأطلقوا عليه وبكل كفاءة لقب ( قمر بني هاشم ) ، فاشتهر العباس (عليه السلام) بهذا اللقب بين الهاشميين ، ثم فشا لقبه هذا وبكل سرعة بين الناس .
وهنا لما رأى بنو كلاب من آل الوحيد ابن أختهم العباس ابن أمير المؤمنين (عليه السلام) متفوقاً على كل أفراد عشيرتهم في الجمال والجلال ، متميزاً على كل قبيلتهم في المكارم والكمال ، وهو بنبوغه هذا فخر لعشيرتهم وعز لقبيلتهم ، ولا بد أن يعتزوا به ويفتخروا بانتسابه إليهم ؛ ليزدادوا بين العشائر وجهة ، ويكتسبوا عن طريقه في الناس رفعة ومكانة ، ولئلا ينفرد بالافتخار به بنو هاشم وحدهم ويعتزوا به دونهم ؛ جاؤوا وأطلقوا على ابن أختهم العباس ابن أمير المؤمنين (عليه السلام) لقب ( قمر العشيرة ) ، فعرف (عليه السلام) بعد ذلك به .
وهكذا حصل أبو الفضل العباس (عليه السلام) على لقب قمر بني هاشم ، ولقب قمر العشيرة ، فهو بكل جدارة قمر العشائر والقبائل كلها ، بل هو قمر متلألئ في سماء الإنسانية وآفاق البشرية جميعها ؛ يضيء لهم الدرب ويهديهم إلى الصراط المستقيم ، صراط علي أمير المؤمنين (عليه السلام) والأئمة المعصومين من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ويحذرهم ظلام السبل المعوجة والملتوية ، سبل بني أمية وآل أبي سفيان ومعاوية ويزيد ، وكل من سار على طريقهم وسلك في سبيلهم .( النجفي ، 2004، ص 133 ) .
الفــــــــادي :
الإيثار ضد (الأنانية والشح) ، وهو ارفع درجات الجود والسخاء . ( النراقي ،2006 ، ص 310 ) .
فهو تقديم الغير على النفس ، فهو من الصفات الحسنة ، والخصال الطيبة ، ومن مكارم الأخلاق ، ومعالي الآداب ؛ فإنّ الإنسان قد يجود بشيء وهو غني عنه ، فهذا هو الجود الممدوح ، وقد يجود بشيء هو محتاج إليه ، وهذا أفضل من الأول وهو الإيثار . ولا يتحلى بالإيثار إلا الأوحدي من الناس ، كما إنه لا يتصف به إلا ذو حظ عظيم .
وقد زخر الكتاب ، وكذلك فاضت السنة النبوية ، وأحاديث أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بمدح الإيثار ، والتأكيد عليه ، والثناء على من تحلى به ، واتخذه خُلقاً له ، ووعدت على ذلك الثواب الكبير ، والأجر الجزيل حيث يقدم الشخص غيره على نفسه في النفع له والدفع عنه وهو النهاية في الإخوة . وتعتبر من محاسن الأخلاق الإسلامية ومرتبة راقية من مراتب البذل ومنزلة عظيمة من منازل العطاء لذا أثنى الله على المتحلين بها بقوله تعالـــــى : ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) الحشر:9 .
ولقد آثر أبو الفضل العباس (عليه السلام) أخاه الإمام الحسين (عليه السلام) على نفسه منذ أيامه الأولى ، فكان لا يجلس بين يدي أخيه الإمام الحسين (عليه السلام) إلا بعد أن يأذن له (عليه السلام) بالجلوس ، ثم إذا جلس بعد الإذن له جلس جلسة العبد بين يدي مولاه ، والرق أمام سيده ائماً بمثل كلمة سيدي ، ومولاي ، ويا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وما أشبه ذلك . ولم يعهد منه أن يدعو أخاه بكلمة أخي وصنوي ، وما أشبه ذلك أبداً ، إلا في موضع واحد ، وهو حين مصرعه (عليه السلام( .
وجسد أبي الفضل العباس (عليه السلام) أروع صور الإيثار في التأريخ عندما انتهى إلى الماء وكان قلبه الشريف قد تفتت من العطش واغترف من الماء غرفة ليشرب منه إلا انه تذكر عطش أخيه الحسين عليه السلام ومن معه من النساء والأطفال فرمى الماء من يده وامتنع إن يروي غليله وهو يقول :
يا نفسُ من بعدِ الحسينِ هوني وبـعـدهُ لا كـنتِ وتكوني
هـــــــذا الـحسيــــنُ واردُ المنـــــــــونِ وتـشـربـينَ بـــــاردَ المعيــــنِ
تـــــــــــاللهِ مـا هـذا فـعـــــالُ دينــــــــي ولا فـعـالُ صـادقِ اليقيـــــــنِ
إن الإنسانية بكل إجلال وإكبار لتحيي هذه الروح العظيمة التي تألقت في دنيا الفضيلة والإسلام ، وهي تلقي على الأجيال أروع الدروس عن الكرامة والإنسانية والمثل العليا .هـــــــذا الـحسيــــنُ واردُ المنـــــــــونِ وتـشـربـينَ بـــــاردَ المعيــــنِ
تـــــــــــاللهِ مـا هـذا فـعـــــالُ دينــــــــي ولا فـعـالُ صـادقِ اليقيـــــــنِ
لقد كان الإيثار الذي تجاوز حدود الزمن والمكان من ابرز الذاتيات في خلق أبي الفضل (عليه السلام) فلم تمكنه عواطفه المترعة بالولاء والحنان لأخيه إن يشرب من الماء قبله ، فأي إيثار أنبل واصدق من هذا الإيثار ؟ لقد امتزجت نفسه بنفس أخيه ، وتفاعلت روحه مع روحه فلم يعد هناك تعدد في الوجود بينهما .
الدروس الأخلاقية المستوحاة من زيارة الإمام العباس (عليه السلام) :
بعد إن انتهى الإمام الصادق (عليه السلام) من زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته والمجتبين من أصحابه ، انطلق بشوق إلى زيارة قبر عمه العباس ، ووقف على المرقد المعظم وزاره بالزيارة التالية والتي تنم عن سمو منزلة العباس وعظيم مكانته :
سَلامُ اللهِ وَسَلامُ مَلائِكَتِهِ الْمُقَرَّبينَ وَاَنْبِيائِهِ الْمُرْسَلينَ وَعِبادِهِ الصّالِحينَ وَجَميعِ الشُّهَداءِ وَالصِّدّيقينَ، وَالزَّاكِياتُ الطَّيِّباتُ فيـما تَغْتَدي وَتَرُوحُ عَلَيْكَ يَا بْنَ اَميرِ الْمُؤْمِنينَ، اَشْهَدُ لَكَ بِالتَّسْليمِ وَالتَّصْديقِ وَالْوَفاءِ وَالنَّصيحَةِ لِخَلَفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ الْمُرْسَلِ، وَالسِّبْطِ الْمُنْتَجَبِ، وَالدَّليلِ الْعالِمِ، وَالْوَصِيِّ الْمُبَلِّغِ، وَالْمَظْلُومِ الْمُهْتَضَمِ، فَجَزاكَ اللهُ عَنْ رَسُولِهِ وَعَنْ اَميرِ الْمُؤْمِنينَ وَعَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِمْ اَفْضَلَ الْجَزاءِ بِما صَبَرْتَ وَاحْتَسَبْتَ وَاَعَنْتَ فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ، لَعَنَ اللهُ مَنْ قَتَلَكَ وَلَعَنَ اللهُ مَنْ جَهِلَ حَقَّكَ وَاسْتَخَفَّ بِحُرْمَتِكَ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ حالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ ماءِ الْفُراتِ، اَشْهَدُ اَنَّكَ قُتِلْتَ مَظْلُوماً، وَاَنَّ اللهَ مُنْجِزٌ لَكُمْ ما وَعَدَكُمْ، جِئْتُكَ يَا بْنَ اَميرِ اْلُمْؤْمِنينَ وَافِداً اِلَيْكُمْ، وَقَلْبي مُسَلِّمٌ لَكُمْ وَتابِعٌ، وَاَنَا لَكُمْ تابِـعٌ وَنُصْرَتي لَكُمْ مُعَدَّةٌ حَتّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمينَ، فَمَعَكُمْ مَعَكُمْ لا مَعَ عَدُوِّكُمْ اِنّي بِكُمْ وَبِإيابِكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنينَ، وَبِمَنْ خالَفَكُمْ وَقَتَلَكُمْ مِنَ الْكافَرينَ، قَتَلَ اللهُ اُمَّةً قَتَلَتْكُمْ بِالاْيْدي وَ الاْلْسُنِ. اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الْعَبْدُ الصّالِحُ الْمُطيعُ للهِ وَلِرَسُولِهِ وَلاَِميرِالْمُؤْمِنينَ وَالْحَسَنِ والْحُسَيْنِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ وَمَغْفِرَتُهُ وَرِضْوانُهُ وَعَلى رُوحِكَ وَبَدَنِكَ، اَشْهَدُ و اُشْهِدُ اللهَ اَنَّكَ مَضَيْتَ عَلى ما مَضى بِهِ الْبَدْرِيُّونَ وَالُْمجاهِدُونَ فِي سَبيلِ اللهِ الْمُناصِحُونَ لَهُ فِي جِهادِ اَعْدائِهِ الْمُبالِغُونَ فِي نُصْرَةِ اَوْلِيائِهِ الذّابُّونَ عَنْ اَحِبّائِهِ فَجَزاكَ اللهُ اَفْضَلَ الْجَزاءِ، وَاَكْثَرَ الْجَزاءِ، وَاَوْفَرَ الْجَزاءِ، وَاَوْفى جَزاءِ اَحَد مِمَّنْ وَفى بِبَيْعَتِهِ وَاسْتَجابَ لَهُ دَعْوَتَهُ وَاَطاعَ وُلاةَ اَمْرِهِ، اَشْهَدُ اَنَّكَ قَدْ بالَغْتَ فِي النَّصيحَةِ، وَاَعْطَيْتَ غايَةَ اْلَْمجْهُودِ، فَبَعَثَكَ اللهُ فِي الشُّهَداءِ، وَجَعَلَ رُوحَكَ مَعَ اَرْواحِ السُّعَداءِ، وَاَعْطاكَ مِنْ جِنانِهِ اَفْسَحَها مَنْزِلاً وَاَفْضَلَها غُرَفاً، وَرَفَعَ ذِكْرَكَ فِي عِلِّيّينَ، وَحَشَرَكَ مَعَ النَّبِيّينَ وَالصِّدّيقينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحينَ وَحَسُنَ اُولئِكَ رَفيقاً............. ( القمي ، 2005 ، ص 495) .
وقد استهل الزيارة بقوله : سلام الله ، وسلام ملائكته المقربين ، وأنبيائه المرسلين ، وعباده الصالحين ، وجميع الشهداء والصديقين والزاكيات الطيبات فيما تغتدي وتروح عليك يا ابن أمير المؤمنين ....
لقد استقبل الإمام الصادق (عليه السلام) عمه العباس بهذه الكلمات الحافلة بجميع معاني الإجلال ولتعظيم ، فقد رفع له تحيات من الله وسلام ملائكته وأنبيائه المرسلين وعباده الصالحين والشهداء الصديقين ، وهي أندى وازكي تحية رفعت له . ويمضي الإمام الصادق (عليه السلام) في زيارته والتي أضاف فيها أوسمة رفيعة على عمه العباس وهي من أجمل الأوسمة التي تضفى على الشهداء العظام :وقد استهل الزيارة بقوله : سلام الله ، وسلام ملائكته المقربين ، وأنبيائه المرسلين ، وعباده الصالحين ، وجميع الشهداء والصديقين والزاكيات الطيبات فيما تغتدي وتروح عليك يا ابن أمير المؤمنين ....
• أ- التسليـــم :
سلم أبي الفضل العباس (عليه السلام) لأخيه سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) جميع أموره ، وتابعه في جميع قضاياه حتى استشهد في سبيله وذلك لعلمه بإمامته القائمة على الإيمان الوثيق بالله تعالى ، وعلى أصالة القصد والإخلاص في النية .
ب- التصديــق :
وصدق العباس أخاه ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في جميع اتجاهاته ، ولم يخامره الشك في عدالة قضيته ، وانه على الحق وان من نصب له العداوة وناجزه الحرب كان على ضلال مبين .
•ج- الوفــــاء :
من الصفات الكريمة التي أضافها الإمام الصادق (عليه السلام) على عمه أبي الفضل العباس (عليه السلام) ، الوفاء ، فقد وفى ما عاهد عليه الله من نصرة إمام الحق أخيه أبي عبدالله الحسين (عليه السلام) فقد وقف إلى جانبه في أحلك الظروف وأشدها محنة وقسوة ، ولم يفارقه حتى قطعت يداه واستشهد في سبيله . لقد كان الوفاء الذي هو من أميز الصفات الرفيعة عنصرا من عناصر أبي الفضل وذاتيا من ذاتياته ، فقد خلق للوفاء والبر للقريب والبعيد .
د- النصيحــة :
وهي إرادة بقاء نعمة الله للمسلمين وكراهة وصول الشر إليهم ، وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال : " لينصح الرجل منكم أخاه كنصيحته لنفسه " . ( النراقي ،2006 ، ص 361 ) .
وقد شهد الإمام الصادق (عليه السلام) بنصيحة عمه العباس لأخيه الحسين (عليه السلام) فقد اخلص له في النصيحة على مقارعة الباطل ، ومناجزة أئمة الكفر والضلال ، وشاركه في تضحياته الهائلة التي لم يشاهد العالم مثلها نظيــــــــرا .
( القرشي ، 1992 ، ص 44 ) .
هـ- الصبــر :
يعتبر الصبر من منازل السالكين ، ومقام من مقامات الموحدين ، وفيه يتسلك العبد في سلك المقربين ويصل إلى جوار رب العالمين ، فما من فضيلة ألا وأجرها بتقدير وحساب إلا الصبر ، ولذا قال تعالى : " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " الزمر: 10.
ووعد الصابرين بأنه معهم فقال : ( وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ ) الأنفال : 46 . (النراقي ،2006 ، ص638) .
كما وان الصبر ليس تحملا وحسب ، إنما هو شكر وتسليم لله جل ثناؤه أيضا . ( البياتي ،2001 ، ص 234) .
والصبر من مميزات أبي الفضل العباس عليه السلام ، فقد ألمت به يوم الطف من المصائب والمحن التي تذوب من هولها الجبال ، فلم يجزع ولم يفه بأي كلمة تدل على سخطه ، وعدم رضاه بما جرى عليه وعلى أهل بيته ، وإنما سلم أمره إلى الخالق العظيم ، مقتديا بأخيه سيد الشهداء عليه السلام الذي لو وزن صبره بالجبال الرواسي لرجح عليها .
لقد رأى أبو الفضل الكواكب المشرقة ، والممجدين الأوفياء من أصحابه ، وهم مجزرون كالأضاحي في رمضاء كربلاء تصهرهم الشمس ، وسمع عويل الأطفال ، وهم ينادون العطش العطش ، وسمع صراخ عقائل الوحي وهن يندبن قتلاهن ، ورأى وحدة أخيه سيد الشهداء ، وقد أحاط به أنذال أهل الكوفة يبغون قتله تقربا لسيدهم ابن مرجانه ، رأى أبو الفضل كل هذه الشدائد الجسام فلم يجزع وسلم أمره إلى الله تعالى ، مبتغيا الأجر من عنده . ( القريشي ،1992 ، ص 60 ) .
و- الجهاد :
لقد شهد الإمام الصادق (عليه السلام) واشهد الله على ما يقول من إن عمه العباس (عليه السلام) قد مضى في جهاده مع أخيه أبي الأحرار الإمام الحسين (عليه السلام) ، على الخط الذي مضى عليه شهداء بدر الذين هم من أكرم الشهداء عند الله ، فهم الذين كتبوا النصر للإسلام ، وبدمائهم الزكية ارتفعت كلمة الله عالية في الأرض ، وقد استشهدوا وهم على بصيرة من أمرهم ، ويقين من عدالة قضيتهم ، حتى تحققت بثورتهم كلمة الله العليا في نصر الإسلام وإنزال الهزيمة الساحقة بأعدائه وخصومه . ( القرشي ، 1992 ، ص 45 ) .
ز- نفاذ البصيرة :
البصيرة هي قوة القلب المدركة فكما إن للبصر قوة يستطيع ا إن ينظر من خلالها الأشياء كذلك للقلب قوة يستطيع بها إدراك الأشياء ، ونفاذ البصيرة تكون منبعثة من سداد الرأي وأصالة الفكر ، ولا يتصف بها إلا من صفت ذاته وخلصت سريرته ، ولم يكن لدواعي الهوى والغرور أي سلطان عليه .
وكانت هذه الصفة الكريمة من ابرز صفات أبي الفضل (عليه السلام) فقد كان من نفاذ بصيرته وعمق تفكيره مناصرته ومتابعته لأمام الهدى وسيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) ، وقد ارتقى بذلك إلى قمة الشرف والمجد ، وخلدت نفسه العظيمة على امتداد التأريخ ، فما دامت القيم الإنسانية يخضع لها الإنسان ويمجدها فأبو الفضل قد بلغ قمتها وذروتها . ( القرشي ، 1992، ص 41 ) .
ما هي الاستنتاجات التي نستفادها من دراسة أخلاق أبي الفضل العباس (علي السلام) :
النفس الإنسانية ذلك المصطلح العجيب الذي قال فيه الله تعالى : ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا*قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) الشمس : 7، 10 .
تحتاج إلى تربية وتعليم وتهذيب وتزكية ، لتتمسك بالأخلاق الفاضلة وتجتنب الأخلاق السيئة ، ولكي نربي أنفسنا ونعودها على الخلق الحسن ، لابد لنا من إن نحتذي حذو أسوة حسنة لنا ، وآل بيت النبوة هم خير من نحتذي بهم . ومعلوم أن من يتأدب على يد والد شفيق ، وأب عطوف ، وأستاذ أديب ، ومعلم أريب كالإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي هو أديب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) هو أديب الله تعالى كما قال هو (صلى الله عليه وآله " : ( أدبني ربي فأحسن تأديبي" فكم يكون مؤدباً ومهذباً ؟!
وكيف لا يكون كذلك والحال أن أبا الفضل العباس (عليه السلام) الذي هو أديب أبيه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ، والإمام أمير المؤمنين هو أديب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) هو أديب الله ، فأبا الفضل العباس (عليه السلام) يكون حينئذ هو الآخر أديب الله أيضاً ؛ فإن أديب أديب الله هو أديب الله أيضاً ؟ فأبو الفضل العباس (عليه السلام) هو أديب الله ، وكفاه فخرا .
لذا ما نستفاده من دراستنا لأخلاق أبا الفضل العباس (عليه السلام) هو إن نعود أنفسنا على الأخلاق الفاضلة كالشجاعة والصدق والوفاء والإيمان والكرم وغيرها من الأخلاق الحميدة ، فالإنسان الذي يعود نفسه على تلك الأخلاق يصير محبا لهذه الخلق ويبتعد عن رذائلها كالجبن والكذب والنفاق وغيرها من رذائل الأخلاق
وقد اخبرنا الرسول الكريم إن من أفضل الإعمال يوم القيامة هو حسن الخلق فقد قال (صلى الله عليه وآله) : " ما يوضع في ميزان امرئ يوم القيامة ، أفضل من حسن الخلق " .
وقد اخبرنا الرسول الكريم إن من أفضل الإعمال يوم القيامة هو حسن الخلق فقد قال (صلى الله عليه وآله) : " ما يوضع في ميزان امرئ يوم القيامة ، أفضل من حسن الخلق " .
المصــــــادر :
•- القرآن الكريم .
•- القمي ، الشيخ عباس ( 2005 ) ، مفاتيح الجنان ، بيروت- لبنان : دار القارئ .
•- القريشي ، باقر شريف (1992 ) العباس بن علي (عليهما السلام) رائد الكرامة والفداء في الإسلام .
•- العذاري ، السيد كاظم ( 2005 ) المنهج التربوي عند أهل البيت ، بيروت- لبنان : دار الأمين .
•- النراقي ، الشيخ محمد مهدي ( 2006 ) جامع السعادات ، بيروت - لبنان : مؤسسة الاعلمي للمطبوعات .
•- الأصفهاني ، أبي الفرج ( 1965) مقاتل الطالبيين ، النجف : المكتبة الحيدرية .
•- البياتي ، جعفر (2001) الأخلاق الحسينية ، إيران - قم : أنوار الهدى .
•- الشامي ، حسين بركة (2004 ) التوازن في الشخصية الإسلامية ، ديوان الوقف الشيعي .
•- النوري ، لقاء مطر عاتي ( 2005 ) القيم الأخلاقية وأثرها في استشراف مستقبل التعليم التنظيمي ، رسالة ماجستير ، المعهد العالي للدراسات السياسية والدولية ، الجامعة المستنصرية .
•- النجفي ، الحاج محمد إبراهيم الكلباسي ( 2002 ) الخصائص العباسية ، قم : المكتبة الحيدرية .
•- العامر ، فارس علي ( 2005 ) الشخصية الإسلامية ، قم ، مركز الغدير للدراسة الإسلامية .
•- مجموعة مؤلفين ( 2004 ) ، موسوعة الإدارة العربية ، المنظمة العربية للتنمية الإدارية .
•- محبوبة ، مهدي (1979) ، ملامح من عبقرية الإمام علي ، بيروت .
•- الطبرسي ، الشيخ رضي الدين أبي نصر الحسن بن الفضل الطبرسي ( 2004 ) ، مكارم الأخلاق ، بيروت - لبنان : دار القارئ .
•- الخشن ، الشيخ حسن ( 2010 ) ، عاشوراء قراءة في المفاهيم وأساليب الإحياء ، بيروت- لبنان : دار الملاك .
سهاد الياسري