في طفولتنا كان طفل صعب المراس...شرس الطباع ....عنيف في أفعاله وردود أفعاله
وفي قريتنا كان الجميع يشكوه لأهله...من سوء تصرفاته ....يدخل حدائق البيوت
يقطف الورود ويبيد محاسنها.....ويكسر كل ما يقع تحت يديه
وفي المدرسة كان المشاغب الأعظم.....متغطرس ...مشاغب ولا تعرف السكينة لقلبه عنوانا
وكان كل يوم يُعاقب من أهله ومن إدارة المدرسة....وقد حذرونا منه مرارا ونصحونا بعدم التعامل معه
لا ادري هل الحب الذي أجبرني أناقترب منه أم هي شفقة طفل على زميل
وكنت اشعر بأن أفعاله لم تكن وليدة نفس مريضة ....وإنما كانت وليدة نفس ضعيفة
كبرنا وأصبحنا شبابا وأصبح كورقة في مهب الريح ....تتقاذفه الشهوات مستغلا مال أبيه
أحببت هذا الرفيق لأني كنت أري فيه شيء جميل لا ادري ما هو ...وكنت اشعر بأن عصفور
ضميره يغالب مخالب صقر سيئاته
وكان يذكر أمام الجميع بأنه يحترمني ويخشاني .....ويشهد الله بأن محبتي له
كانت أملي بأن نور شمس جمال روحه سيشرق يوما ...وكنت على يقين بأن في
أعماق نفسه وداعة يغلفها بشراسة...وحكمة يغلفها بصبيانية تصرفاته
وكانت أتعمد أن يكون موجود حيثما أكون....واقرأ عليه ما اكتب ...أري دموع عينيه صامتة
وكان ينازعني فيه تصرفات أبوه معه.....وينتقده في كل تصرفاته ويعاقبه بمنحه مبالغ اكبر
فكان أبيه وطريقة معاقبته أساس لكل أفعاله .....ومال أبيه كان سبب طيشه وعدم مبالاته
فرقتنا الأيام ....وسافر ليدرس في الخارج وكنا على اتصال دائم
عرفت منه بأن زميلة لنا كانت تدرس في نفس جامعته ولكنها كانت تنكر عليه تصرفاته
في أجازة صيف جمعتني الأقدار بتلك الزميلة ....وتكلمنا عنه ....وذكرت لي عيوبه
وأنا كنت اذكر لها محاسنه ....وانه في حاجة لمن يفهم شخصيته ومفاتيحها
مرت السنوات وتقابلنا ووجدته إنسانآخر وكأن ظلمة مكنونات نفسه تحولت نورا
وطيش تصرفاته تحول إلى حكمة...وتسرعه تحول إلى فكر وهدوء
تعمدت أن أتطلع في عيونه وجدت نورغريب خرق صدري بسكينته ....وتلك العيون
وجدت فيهم نورا يملأ القلب بعدما كنت أجد فيهم الشقاوة أحيانا والقسوة أحيانا أخري
ابتسم وقال .....صاحبك الذي عرفته أيام المدارس مات ....وولدت أنا جديد
تلك اليد التي كانت تميت الطيوروتخرب الحدائق أصبحت لينة والقلب المندفع أصبح حكيما
كنت انظر إليه صامتا ليزيدني من حديثه عن نفسه....واسترسل في حديثة
يا صديقي تلك الزميلة التي حدثتك عنها صرت وإياها أصدقاء....في البداية اقتربت مني
حسبتها لعبة جديدة منحني إياها القدر....وإذا بها تفتح قلبي عند كل لقاء .....وتهذبه
وتتوغل في فكري وتنظفه من شوائب السنين الماضية والأيام....وأنقذتني من أمواج
بحر القسوة ووضعتني بأمان على شاطئ الأحلام بأن أكون رجل بكل ما تحمله الكلمة من معني
تلك التي أسئت لأخواتها الآناث بغبائي .....رفعتني إلى عرش التفوق والنجاح
تلك التي استعبدت بنات جنسها بأموال أبي ....جاءت وحررتهن بجمال روحها
تلك التي قيل عنها بأنها أخرجت آدم من الجنة ......أدخلتني جنة روحها بأنقيادي لحنانها وفكرها
كان يتكلم عنها وكنت أراه مبتسما ودموعه تتلألأ في عينيه
وهنا أيقنت بأن الحب قد تمكن من قلبه وجعله إنسانا آخر ولد من جديد ....وكأنه أدرك بما أفكر
وهنا قال .....لا انه الاحترام ياصديقي الذي كنت تتغنى به أمامي ولا اعرفه
احترمتها فأصبحت أخشاها كما كنت أخشاك....وأصبحت امقت الفشل لأجلها
بعدما أشعلت في روحي حب التحدي وحب النجاح والتميز .....كما أنا مدين لك فأنا مدين لها بأنا
الصداقة الصادقة يا صديقي ......تصنع المعجزات
