لعل ضمائرنا أحياناً تتيقظ شفقة عابرة على بعض المساكين المحرومين الذين نراهم يتسولون في هوامش الطرقات .. فتتحرك بداخلنا أحاسيس الانسانية التي قد نتوجها بتقديم مساعدة بسيطة لأحد هؤلاء . انهم فقراء مادياً ... والجميع يتضامن معهم ! الا أن هناك فئة أخرى يعيشون معاناة من نوع مغاير ... معاناة لا تستدعي أي شفقة ولا تجلب أي انتباه . انها معاناة في صمت ... يعيشها ذاك الانسان مع دواخله ... وفي أعماق أعماقه .
ليس المقصود هنا أن أقارن بين وجهين من المعاناة الانسانية .. مادياً ومعنوياً ، فلعل الله وحده من يعلم بؤس الفقراء والمحتاجين . وبالتأكيد ... فمهما بلغ حجم الضرر النفسي فلا يمكن أن يصل الى درجة ألم الجوع وعار الحاجة . لكن حديثي يستهدف فئة واسعة تتواجد في مختلف المجتمعات و تنتمي الى كل الطبقات . فئة تعيش لوحدها .. بدون عائلة حقيقية .. بدون شريك عمر.. وبلا صديق أنيس .هؤلاء الناس يجلسون وحدهم .. في المطاعم والشوارع والحذائق وفي مختلف الأماكن . وهنالك منهم من ينمحي من الوجود الاجتماعي ويعتكف في بيته . وفي أحسن الأحوال ، يعيش البعض منهم حياة طبيعية من الخارج ... ولكن هل فعلاً أعماقهم مرتاحة ؟ هل تتصورون أنهم مرتاحون عاطفياً ؟ أو راضون نفسياً على الأقل .. ؟
حسناً ، سأجيبكم ! الانسان الوحيد غالباً ما يحاول أن يؤسس لحياته الخاصة .. بل ان البعض تدفعه ثقته في نفسه الى ترسيخ فكرة الاستغناء عن الآخر والانغماس في الأنا . فيحاول بذلك الاعتقاد بفوقيته على كل الناس من حوله . يظهر لهم غروره وترفعه ... ولكنه في أعماقه يحس بأنين الرغبة وألم الشوق .
الوحدانية شعور نفسي له جذور اجتماعية ، لا يحرك لدى المجتمع أي مواساة أو محاولة للمساعدة ... فالانسان الوحيد خصوصاً في المجتمعات الجماعية التقليدية ذات الثقافات الشعبوية يبقى في الهامش دون أي حضور فعلي . انها بالتأكيد ليست مرضاً نفسياً كالاكتئاب و اليأس ، لكنها في الوقت ذاته تبقى ظاهرة معقدة تنفلت من الاهتمام العام والرعاية والأنظار ، وتغيب عن النقاشات والأضواء . ثمة أناس في هذا العالم يعيشون ويحيون ويموتون في صمت ... بعيداً عن العالم ! في مدن تضيع فيها حياة الانسان وتترك للهباء .
الوحيدون غالباً ما يتميزون بأسرار مدفونة وحالات روحانية عميقة ... كالمتدينين المنعزلين ، والعشاق ، والفلاسفة ، والعلماء ... انهم وفي كثير من الأحيان طاقات مغلفة بحبال النسيان ، قد تكون لهم ارادتهم التي جعلتهم يتنكرون لحياة ، تبقى مجرد ثرثرة في مقهى ...
فـ ما رأيك أيها العزيز في الانسان الوحيد ؟ هل الوحدة تصلح كـ نمط للعيش ؟ ما كلمتك تجاه الوحيدين في هذا العالم ؟
أسئلة وأخرى نناقشها معاً .. فلنتبادل الآراء