رد: بحث عن العنف الأسرى ، بحث علمى عن العنف الأسرى ، بحث عن العنف الأسرى كامل جاهز بالتنسيق word
الباب الخامس
حول نظريات العنف
حاول عدد من الذين اهتموا بدراسة أشكال العنف تفسير أسبابه والبحث عن العوامل الظاهرة والمختفية التي وراء هذه الأشكال , نتج عن هذه المحاولات عدد كبير من النظريات , ولن نحاول مراجعة جميع النظريات والمقارنة بينها , ولكننا سنستعرض في عجالة تطور المحاولات النظرية , ثم نولي عناية خاصة بالتصور النظري الذي نراه يناسب هذه الدراسة.
عدد لا بأس به من النظريات العنف تهتم بتفسير العدوان , والذي تعتبره هو الأساس , وبعض النشاط البحثي الذي تمحور حول العدوان , وخصوصاً الذي وظف تقنيات النهج التجريبي , أعتمد على عينات من الحيوانات , والسبب الرئيسي وراء هذه الإستراتيجية هو سهولة ملاحظة تجليات العدوان في شكل سلوك العنف عند الحيوانات , وتقبل التجريب على الحيوان وصعوبة فعل الشيء نفسه مع الإنسان , وسنستثني من نقاشنا هذا الجزء من النشاط البحثي , اللهم إلا ذلك الذي وظف في نفس الوقت عينات من البشر كالدراسات التي أجريت على عينات من الأطفال الصغار , كما لا نستعرض جميع الأعمال التي بلورت في هذا المجال, ونستعرض ثلاثة اجتهادات نظرية ذات وجهات نظر مختلفة منها في تطوير نموذج نظري يصلح لتوجيه الدراسة وتنتسب هذه الاجتهادات إلي مدارس : التحليل النفسي , والسلوكية , ومدرسة التنشئة الاجتماعية.
1- مدرسة التحليل النفسي.
عند ذكر مدرسة التحليل النفسي , لابد من الإشارة إلي فرويد فهو الذي وضع أسس هذه المدرسة , ويكون العدوان أحد أهم جوانب نظريته العامة لتفسير السلوك البشري , ولأنه تأثر كثيراً بالنظريات التي كانت تسيطر على التفكير العلمي في عصره فإن الداروينية بارزة في أعماله , غلب فرويد العوامل البيولوجية الوراثية في شكل سيطرة الغرائز والدوافع والحاجات .لكن لابد من الإشارة أن تطورات كثيرة حدثت في مجال التحليل النفسي يقلل بعضها من قوة تأثير الخصائص الوراثية ويفسح المجال لتأثر عوامل من البيئة.تتمثل جوانب القوة في نظريات التحليل النفسي للعدوان بأنها تقدم تفسيراً واضحاً للعنف , فالعدوان خاصية تمتد جذورها إلي الطبيعة البشرية. وهي بذلك موجودة في وضع كمون , وتثار إذا أعترض نشاط الفرد أو حتى الحيوان , المتمثل في سلسلة من الاستجابات الموجهة نحو هدف معين , وعندما تستثار نزوة العدوان فإنها تأخذ أشكالاً متعددة من بينها العنف , وفي هذه الحالة يصبح العنف استجابة طبيعية كغيرها من الاستجابات الطبيعية للفرد.
فالقول بأن العدوان لا تحركه إلا دوافع غريزية يجعلنا نتوقع نفس الاستجابة من مختلف الأفراد الذين يتعرضون لنفس المثيرات.
وهذا لا يحدث في الواقع , وبنفس المنطق يتوقع أن يعبر الفرد بنفس الاستجابة كلما تعرض إلي إحباط , ويصبح رد الفعل عن استجابة آلية وكأن الفرد لا يفكر ولا يقدر.
2- المدرسة السلوكية:
كما أكدت نظريات التحليل النفسي على عوامل الوراثة , سلطت النظريات التي تنضوي تحت ما يمكن تسميته بالمدرسة السلوكية على المتغيرات الموجودة على البيئة , وبالطبع تشغل العوامل الاجتماعية حيزاً كبير منها , تطورات نظريات هذه المدرسة كأحد ردود الفعل على ما تدعو إليه نظريات التحليل النفسي , لذلك فإن المحاولات الأولى لتطوير نظريات المدرسة السلوكية قامت على توجيه النقد لمدرسة التحليل النفسي وبيان جوانب ضعفها.
نظراً للمكانة التي تحتلها المدرسة السلوكية في مجال العلوم الاجتماعية فإن النظريات التي اهتمت بالعنف كثيرة ومتنوعة , لن يسمح المجال هنا باستعراضها جميعاً , بل سنكتفي فقط باستعراض ومناقشة أهم مقولات نظرية الإحباط والعدوان التي تقدم فروضاً مفيدة لشرح أسباب العنف ومسيرة تطوره.
لعل الغرض الذي يجمع ما بين الإحباط والعدوان من أشهر المحاولات النظرية التي تناولت مظاهر السلوك العدواني , وارتبطت بفريق من الباحثين في علم النفس موجود في جامعة ييل , وسلطت الضوء على الإحباط. ويمكن تلخيص الغرض الرئيسي بالشكل التالي : كل شكل من أشكال العنف تسبقه حالة عدوان , وكل شكل من أشكال العدوان يكون مسبوقاً بحالة إحباط.(Dollard,Doob,Miller,Mowrer,and Sears, 1939:1-3).
ومن الفروض الهامة التي تقترحها هذه النظرية فرض يربط ما بين عدد حالات الإحباط ودرجة قوة نزوة العدوان , فحتى الأحباطات غير الهامة إذا تكررت فإنها ستؤدي إلي إثارة النزوة العدوانية وإلي تقويتها
( Dollard, et al .,: 31), ويعني هذا أن مصادر الإحباط قد تتعدد , وأنها تقبل الزيادة , فتتجمع , وفي تجمعها قوة وتؤدي بالتالي في وقت لاحق إلي إثارة نزوة العدوان , وتكمن أهمية هذا الغرض في إيجاد تفسيراً لما يمكن أن إليه بـــ ( القشة التي قصمت ظهر البعير ).
وأقترح بوركويتز أيضاً أن درجة الإحباط تتأثر بما إذا كان الفعل الذي تسبب في الإحباط متوقعاً أم لا , فكلما كان الفاعل يتوقع الفعل كلما كانت درجة الإحباط أضعف , والشيء نفسه يمكن أن يقال بالنسبة لأنماط السلوك المتنوعة من الآخرين والتي يمكن أن تتسبب في الإحباط.
فالإحساس بالإهانة أو الألم الذي قد ينتج من شخص لم يتوقع منه مثل هذا النمط من السلوك , ويفرض المركز الذي يحتله الفرد أدوراً معينة تتناسب والحقوق والواجبات المترتبة والمرتبطة بالواقع الفعلي للفرد الذي صدر عنه الفعل بقدر ما ترتبط بالواجبات التي يفرضها المركز , فالخيانة الزوجية غير مقبولة حتى في المجتمعات التي يتساهل أفرادها حيال العلاقات بين الجنسين.
3- مدرسة التنشئة الأجتماعية:
حظيت نظرية الإحباط والعنف بانتشار واسع بين الذين اهتموا بدراسة العدوان والعنف , لكن النظرية لا تصلح لتفسير بعض مظاهر العنف , مما حفز الباحثين على اقتراح فروض من نوع مختلف , تساءل كثيرون ما إذا كان للتعليم من دور؟ ألا يمكن أن يتعلم العنف؟ وهل يمكن أن نتعلم من مراء إثارة مثل هذه الأسئلة وجود مجتمعات تخلو من مظاهر العنف , كما توجد ثقافات تتضمن تحذيرات ضد العنف , وأخرى تشجع عليه , تنتشر في وسائل الاتصال الجماهيرية أخبار العنف , و يمجد بعض هذه الوسائل بعض أشكاله في شكل أشرطة تلاقي قبولاً واسعاً.
تقدم برامج التدريبات العسكرية دليلاً واضحاً لما يمكن أن يفعله التعليم لتقوية المواقع المثيرة للعنف , إذا تستقبل الأكاديميات العسكرية الشبان الصغار من مختلف فئات المجتمع , ولاتجري لهم في العادة اختبارات لقياس استعدادهم للعدوان , ويعرضون جميعاً لبرامج لبناء صورة معينة للعدو ولتطوير اتجاهات سلبية نحوه ولإثارة كراهيته في نفوسهم وتهيئتهم للانقضاض عليه بقوة وتدميره بسرعة , وتوفر حالات الصدام المسلح بين الجيوش والفرق المسلحة دليلاً واضحاً لنجاح هذا النوع من البرامج التعليمية , كما أن مشاعر التمييز العنصري أوالد يني لا تولد مع المرء , ولكنه يتشربها خلال عملية التنشئة الاجتماعية , وأجريت تجارب كثيرة حول هذا الجانب خصوصاً في بعض المجتمعات التي لها تاريخ طويل مع الأشكال المتعددة للتمييز والتعصب.
يلاحظ أن مظاهر العدوان والعنف توجد بشكل واضح في بعض الثقافات الفرعية وتكاد لا توجد بتاتاً في ثقافات أخرى , وقد لفتت الحقيقة انتباه الباحثين في علم الإناسة , فقد أندهش الكثير منهم والذي جاء من ثقافات غربية بالدرجة العالية من المسالمة والهدوء وضبط النفس التي يتمتع بها أعضاء القبائل التي سموها البدائية وكانت تسكن الجزر والمناطق الداخلية في الغابات , وفي نفس الوقت أكد عدد من الباحثين أن خاصية العنف ترتبط بالطبقات الاجتماعية الدنيا , فقد أثبت بعض الباحثين في المجتمعات التي بها معدلات الجريمة عالية , وحيث تحتل جرائم العنف نسبة كبيرة من مجموع الجرائم , إن بعض الثقافات الفرعية في نفس المجتمع مسئولة عن غالبية أحداث العنف فيه , بحيث تتضمن الثقافة الفرعية قيماً كثيرة تمجد العنف وتحض عليه , فيشب الصغار وخصوصاً الذكور وقد تسلحوا بكمية هائلة من التبريرات المؤيدة للعنف , تسهل عليهم مهمة توظيفه في الأنشطة اليومية و لذلك ينضمون بسهولة إلي العصابات التي تستخدم العنف وترتكب مختلف أعمال التخريب.(Trasher, 1927,: Yablonsky, 1966).
يقود الإحباط إلي التوتر , وهذا يقود إلي إثارة العدوان , وتخرج بعض حالات العدوان في شكل أفعال عنف , لكن هذا النمط من العلاقات يعتمد على نشاط متغيرين آخرين هما الدافع للتعبير عن الإثارة والرغبة لكبحها , بحسب نظرية التحليل النفسي الدافع وراثي و ولا يمكن للمرء أن يفعل شيئاً حياله , لكن نظرية التنشئة الاجتماعية تقترح إمكانية تقوية عامل الكبح على حساب دافع التعبير وأن الأمر يكمن في برامج التنشئة الاجتماعية , فهذه البرامج يمكن أن توجه نحو تقوية الرغبة لدى الفرد لحجب أو إعلاء أو كبح مؤشرات أو مكونات التوتر الذي يقود إلي إثارة العدوان.
تستثار نزوة العدوان عندما يحدث شيء ما يحول بين الفاعل وبين وصوله إلي الهدف , فيصاب الفرد بالإحباط , وكلما قويت حالة الإحباط كلما ارتفعت درجة احتمال حدوث الاستثارة التي تقود إلي العدوان.
وأن قوة الاستثارة تعتمد على ثلاثة عوامل:
1- قوة الإعاقة الناجمة عن حدوث تدخل حال بين الفاعل وبين حصوله على الإشباع من وراء وصوله إلي الهدف.
2- درجة صعوبة تغيير المسار للوصول إلي الهدف.
3- عدد المحاولات الفاشلة للوصول ألي الهدف.
يصاب الفرد بالإحباط كلما سدت الطريق أمامه للوصول إلي الهدف و لكنه لا يستسلم للفشل بسهولة و بل يستمر في البحث عن البدائل.
وقد تتكرر حالات الإحباط ولا تزول أو تنسى , وإنما تتراكم فيحدث العدوان والعنف أيضاً , وقد يظهر وكأنه سلوك فجائي , حدث على حين غرة .
إن أهداف الفرد كثيرة ولكنها في العادة يمكن أن تلخص في الحصول على الحاجات الضرورية والتي تتمحور حول حياه مستقرة وصريحة وآمنة.
وبالطبع تترجم هذه الحاجات إلي عدد كبير من الأهداف الأكثر تحديداً ووضوحاً , لكن هذه الحاجات عن طريق الوصول إلي جميع الأهداف أمر ليس متيسراً للغالبية , ولذلك فإن الحياة اليومية تزود الفرد بشعور الإحباط ليس له نهاية , إلا أنه من المتوقع أن أغلب الإحباطات التي يتعرض لها الفرد أثناء مزاولته لأنشطته اليومية يتم كبتها , أو إعلانها , بشكل أو بآخر , وتقدم الثقافة الميكانزمات الرئيسية للكبت وللإعلان , إلا أن صعوبات الحياة المحيطة أصبحت كثيرة ومتشبعة , وتضع على كاهل الفرد ضغوطات مرهقة , مما يؤدي إلي ارتفاع معدلا التوتر بين أفراد المجتمع.
وعلى ضوء ما تقدم يمكن اقتراح الغرض الرئيسي الذي يلخص العلاقات بين أهم المتغيرات التي يمكن أن تقدم تفسيراً للعنف العائلي.
(( العنف العائلي )):
الشدة والاستقرار وكمية ونوعية الأضرار التي تسببها .
والعنف العائلي يحدث نتيجة حالة أو حالات إحباط تثير درجة عالية من التوتر , تتطور إلي عدوان يعبر عنه في شكل فعل من أفعال العنف , ومصادر الإحباط في المجتمعات المعاصرة كثيرة ومتنوعة , ويمكن تصنيفها إلي الفئات العامة التالية:
1- عوامل شخصية وتتضمن:
أ- صفات عامة : النوع والسن والتعليم والمكانة الاجتماعية.
ب- التوازن النفسي – الاجتماعي.
2- عوامل مجتمعية تتعلق بالمحيط ويمكن أن تقسم إلي:
أ- المحيط المباشر – القريب الأسرة والعمل.
ب- المحيط المباشر – البعيد الحي والمدينة.
ج – المحيط غير مباشر – القريب المجتمع والدولة.
د- المحيط غير المباشر – البعيد الوضع الدولي.
__________________
المراجع
1- (( على ليله )) العنف في المجتمعات النامية من وجهة نظر التحليلي والتطبيقي (( القاهرة )) المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية.
2- شاديه علي قناوي (( نمو آليات العنف في المجتمع المصري – كلية الإنسانيات والعلوم الاجتماعية قطر)).
3- إجلال إسماعيل حلمي (( العنف الأسري)) أستاذ علم الاجتماع كلية الآداب جامعة عين شمس
(( القاهرة 1999 )).
4- مختار حمزة (( أسس علم النفس الاجتماعي )) أستاذ علم النفس – كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة الملك عبد العزيز جدة.