أداة تخصيص استايل المنتدى
إعادة التخصيصات التي تمت بهذا الستايل

- الاعلانات تختفي تماما عند تسجيلك
- عضــو و لديـك مشكلـة فـي الدخول ؟ يــرجى تسجيل عضويه جديده و مراسلـة المديــر
او كتابــة مــوضـــوع فــي قســم الشكـاوي او مـراسلــة صفحتنـا على الفيس بــوك

بحث عن فنون وأثار ، بحث علمى كامل جاهز عن المعابد المصريه فى عصر البطالمه

إنضم
15 أكتوبر 2017
المشاركات
33,826
مستوى التفاعل
295
النقاط
83
بحث عن فنون وأثار ، بحث علمى كامل جاهز عن المعابد المصريه فى عصر البطالمه

المعابد المصريه فى عصر البطالمه ( أثارهم)
لقد قصر البطالمة منشآتهم الدينية في بداية عهدهم على الدور التقليدي الذي كان الفراعنة يقومون به في العصور السابقة ، وهو القيام ببعض الإصلاحات أو الإضافات الجزئية أو إكمال زخرفة بعض الجدران . ففي معبد الأقصر أقيم على عهد الإسكندر الأكبر هيكل صغير كان مصريًا في تصميمه وعمارته وزخرفته .
وفي المعبد الأكبر بالكرنك أنشئ هيكل آخر من الطراز نفسه أيام فيليب أرهيدايوس. ويبدو هذا الاتجاه نفسه نحو تقليد الفن القديم في زخرفة إحدى قاعات هذا المعبد، وهي التي تحمل اسم الإسكندر الرابع، فزخر فتها تشبه زخرفة ما يجاورها من القاعات .
ولا شك في أن ما تم باسم فيليب أرهيدايوس والإسكندر الرابع كان من عمل بطلميوس الأول عندما كان واليًا بحكم مصر باسميهما وقد بنى بطلميوس الثالث الباب الخارجي في معبد فتاح بالكرنك، وقد بنى بطلميوس الرابع مدخل هذا المعبد معبد خنسو، وشيد بطلميوس الثامن معبدًا صغيرًا بالكرنك للآلهة ابيت. ونرى كذلك أثر منشآت البطالمة في المعابد الجنازية على ضفة النيل الغربية في معبدي دير المدينة ومدينة هابو .
معبد أدفو :
وإلى جا نب هذه المنشآت الثانوية التي اقتفت أثر الفن المصري القديم، وأنشأ البطالمة معابد مصرية كبيرة في ادفو ودندرة وكوم أمبو واسنا وفيله. وأكمل هذه المعابد اليوم وأكبرها هي المعابد الثلاث الأولى ، وقد وضع بطلميوس الثالث أساس معبد أدفو في 23 أغسطس عام 237 ق.م إلا أن بناءه لم يتم قبل 5 ديسمبر سنة 57 ق.م. ولهذا المعبد كالمعابد الفرعونية بوابة مصرية صميمة، لكنه لا توجد أمامها أي أثار لتماثيل ضخمة أو مسلات على نحو ما كان يوجد عادة في المعابد الفرعونية. وتزين هذه البوابة زخرفة تقليدية ترينا في أعلاها مناظر دينية مختلفة، وتحتها الملك ينقض على أعدائه في حضرة الإله حورس .
وتؤدي البوابة هنا ، كما هي الحال في معبد خنسو ، إلى فناء يحيط بجانبيه وبالجدار الذي فيه المدخل دهلير ذو أعمدة تحمل رءوساً من طرازي النخيل وزهرة اللوتس، وكذلك من الطراز المعروف باسم رءوس الزهور أو الرءوس المركبة، كالتي توجد في معبد نكتانبو الذي يرجع إلى عهد الأسرة الثلاثين . وتشبه كل رأس من الرءوس المركبة ناقوسًا يزين جوانبه عدد من الأزهار وأوراق نباتات مختلفة رتبت في أوضاع متباينة ، وتقوم فوق الناقوس ، بمثابة أفريز ، رأس من رءوس حتحور ، وهي عبارة عن مكعب ضخم تزين كل وجه من وجهه الأربعة رأس سيدة لها أذنًا بقرة . وقد زينت الأعمدة والجدران التي خلفها بمناظر دينية ونقوش، نحتت في جوف الصخر ولطبت بالألوان، على نحو العادة المألوفة في آثار الأسرة الثامنة عشرة.
وكما هي الحال في معبد خنسو ، توجد خلف الفناء صالة ذات أعمدة ، تقوم إلى كل من جانبي مدخلها ثلاثة أعمدة تصل بين بعضها بعضًا وكذلك بينها وبين الجدارين الجانبين في هذه الصالة ستة جدران قصيرة ، لا يتعدى ارتفاعها نصف ارتفاع الأعمدة . ووراء هذه الأعمدة الستة صفان آخران في كل منهما ستة أعمدة ، صفت خلف أعمدة الواجهة واتفقت معها في الطراز. ورءوس هذه الأعمدة من طرازي رءوس النخيل ورءوس الزهور على التعاقب .
ويثير منشأ الجدران القصيرة خلافًا كبيرًا في الرأي لا نرى موجبًا له ، لأن هذه الستائر ليست بدعة استحدثت في عصر البطالمة وأن كل استخدامها قد شاعر في هذا العصر ، فإنها لم تظهر لأول مرة في معابد البطالمة بل ظهرت قبل ذلك ، على عهد الدولة الحديثة في المرنك وفي مدينة هابو ، وكذلك على عهد الأسرة الثلاثين في مدينة هابو وفيلة . ويمكن تتفسير استخدام هذه الستئار بالرغبة في السماح لقدر كبير من الضوء والهواء بالوصول إلى الأجزاء الداخلية بالمعبد ، وهي الرغبة نفسها التي أدت إلى أن يستبدل بنظام الإضاءة الشائع قديمًا عن طريق الفتحات العليا المترتبة على ازدياد ارتفاع الأعمدة الوسطى على ارتفاع الأعمدة الجانبية نظام آخر ، عرف كذلك في بعض المعابد الفرعونية وكان عبارة عن عمل فتحات كبيرة في السقف ، وقد زينت جدران هذه الصالة وأعمدتها بمناظر تمثل بطلميوس الثامن وهو يقوم ببعض الطقوس التي تتصل بإنشاء هذا المعبد .
وفي الجدار الشمالي بهذه القاعة مدخل يؤيد على صالة أعمدة ثانية أصغر من الأولى ، لكن جمالها يعيضها خيرًا عن صغر حجمها . وبهذه القاعة أثنا عشر عمودًا من طراز الأعمدة ذات الرءوس المركبة . وهذه الأعمدة مرتبة في ثلاثة صفوف ، يتألف كل منها من أربعة أعمدة أقل ضخامة من أعمدة الصالة الأولى . وزخرفة هذه الصالة الثانية تشبه في الموضوع زخرفة الصالة الأولى ، إلا أننا لا نرى فيها بطلميوس الرابع بدلاً من الثامن ، هذا إلى أنها تمتاز بالمستوى الرفيع الذي بلغه فنها . وليس لهذه الصالة مثيل في معبد خنسو ، لكنه لها نظائر في معابد فرعونية أخرى مثل معبد مدينة هابو والرامسيوم . وكما هي الحال في هذين المعبدين، توجد هنا كذلك غرف صغيرة إلى جانبي هذه الصالة الثانية .
وكما هي الحال في الرامسيوم تؤدي هذه الصالة إلى قاعتين صغيرتين أحداهما خلف الأخرى ، وقد زينت جدران هاتين القاعتين بمناظر تمثل الملك وهو يتعبد إلى آلهة مختلفة . وتؤدي القاعة الخلفية إلى قدس الأقداس ، وهو قاعة مستطيلة بها باب واحد يقع على المحور الرئيسي للمعبد . وتمثل المناظر التي زخرفت بها جدران قدس الأقداس الملك وهو يعبد حورس وزوجته حتحور . ويقوم وسط هذه القاعة مذبح واطئ كانت توضع عليه المركب المقدسة ، وعند نهاية هذه القاعة يوجد ناءوس صغير وضع فيه تمثال بديع للصقر المقدس . وكانت هذه الغرفة تبقى مغلقة مختومة ، لا تكسر اختامها ولا يفتح بابها إلا في الأعياد الكبرى ، ولا يسمح بدخولها إلا للكاهن الأكبر وفرعون ، الذي كان مركزه يخول له أن يقوم بمهام الكاهن الأكبر في أي معبد ، وكما هي الحال في معبد خنسو ، يحيط بقدس الأقداس دهليز يفتح عليه عدة غرف صغيرة . خصصت كل منها لعبادة أحد الآلهة ويوجد في هذا المعبد ، كما يوجد في المعابد الفرعونية ، سلمان أحدهما في الجانب الشرفي والآخر في الجانب الغربي لبلوغ سطح المعبد . وقد غطيت جدران السلمين بمناظر مهرجانات دينية .
وكما هي الحال في معبد الكرنك ، يوجد في معبد ادفو دهليز خارجي يدور حول أجزائه الداخلي ابتداء من صالة الأعمدة الأولى . وقد زينت الواجهة الداخلية لجدران هذا الدهليز بمناظر معارك حورس مع ست ، وبمناظر للطقوس التي تخلد انتصار حورس ، أما الواجهة الخارجية لجدرانه فتحمل مناظر لبطلميوس العاشر اسكندر الأكبر وزوجه الملكة برينيكي وهما يعيدان آلهة مختلفة .
ويتبين لنا من كل ما مر بنا أن معبد ادفو معبد مصري بحت في تصميمه وعمارته وطراز زخرفته ، حتى أن علماء الآثار لم يستطيعوا التعرف على تاريخه قبل قراءة نصوصه مما يدل على أنه يخلو من التأثيرات الإغريقية خلوا تمامًا .
معبد دندرة :
في أواخر القرن الثاني قبل الميلاد ، أمر أحد البطالمة الأواخر ، ولعله كان بطلميوس التاسع سوتر الثاني ، بإزالة بناء المعبد القديم الذي أقيم منذ عهد الملك خوفو لحتحور الآلهة لحتحور الآلة الحامية لدندرة ، وإقامة معبد آخر جديد على أنقاضه ، لم يتم إلا حوالي منتصف القرن الأول ، في عهد أباطرة الرومان ، ويعتبر هذا المعبد من أروع ما أخرجه فن المعمار في عصر البطالمة والرومان وهو يشارك معابد ذلك العصر في الخواص المميزة لها .
ويمتد حول بناء المعبد كله جدار خارجي يتوسطه في الناحية الشمالية باب المعبد ، الذي يؤدي إلى فناء لا سقف له . وتقع وراء الفناء صالة الأعمدة الكبرى ، وهي قاعة كبيرة يحمل سقفها أربعة وعشرون عمودًا ضخمًا ، رتبت في أربع صفوف يكون أولها جدار البهو الخارجي ، إذ تربط أعمدة هذا الصف بعضها ببعض حوائط قصيرة على نمط ما رأينا في معبد ادفو . وتصل هذه الستائر هنا أيضًا إلى نحو منتصف ارتفاع الأعمدة ، وهي تحمل افريزا ضخمًا بزينه قرص شمس ذو جناحين . وفي الإفريز نقش ينبئنا بأن بناء هذه الصالة قد تم في العام العشرين من حكم الإمبراطور تيبريوس ، وبأن أهالي المديرية وعاصمتها قد أهدوه باسم هذا الإمبراطور إلى الآلهة أفروديتي (أي حتحور) وأقرانها من الآلهة . وتعلو هذه الأعمدة رءوس من النوع المعروف برءوس أعمدة حتحور وتزين هذه الأعمدة والجدران مناظر دينية ونقوش ورموز ، مرتبة درجات ، الواحدة فوق الأخرى في كثرة جعلتها تزاحم بعضها بعضًا ، لكن المناظر لا تخلو من الطرافة إذ أننا نتبين فيها زيارة ملكية إلى المعبد وإهداء ضياع إلى آلهته . أما السقف فكله مزين بمناظر فلكية .
وتؤدي هذه الصالة الكبيرة إلى صالة أعمدة صغيرة يحمل سقفها ستة أعمدة ، رءوسها من النوع المعروف برءوس الزهور أو الرءوس المركبة ، وتزين أعمدة هذه الصالة وجدرانها مناظر تتصل ببناء المعبد . وتتصل بكل جانب من جانبي هذه الصالة ثلاث غرف كانت تستخدم لتخزين حاجات المعبد والنذور . وتؤدي صالة الأعمدة الصغرى إلى قاعتين صغيرتين ، أحداهما وراء الأخرى على نمط معبد أدفو ، وتسمى القاعة الأولى “قاعة المذبح”، حيث كانت تقدم القرابين ، وتغطي جدرانها مناظر تمثل الملك وهو يقدم القرابين إلى حتحور وابنها . وإلى يمين هذه القاعة ويسارها توجد السلالم التي تصل إلى سطح المعبد . وتزين جدران هذه السلالم مناظر موكب الآلهة في غدوة إلى السطح ورواحه ، عندما كانت تحمل في جمع حاشد ، تحفها مظاهر العظمة والجلال ، لتلقي نظرة على ممتلكاتها العظيمة ، وتسمى القاعة الثانية “قاعة التسع المقدسة” ، وهي لا تزيد على ممر بسيط يغطي جدرانه مناظر تشير إلى أن حتحور وقد تجسمت فيها كل الآلهة الأخرى أصبحت وحدها منبع الحياة ، وإلى جانبي كل من هاتين القاعتين توجد غرفتان .
وتؤدي القاعة الثانية إلى قدس الأقداس ، وهو قاعة مزينة بمناظر زيارة فرعون للآلهة ، ويحيط بهذه القاعة المقدسة دهليز يؤدي إلى إحدى عشرة غرفة صغيرة بجانب بعضها بعضًا ، كان لكل منها اسم خاص ، مثل “غرفة اللهب” و”عرش رع” و”اتحاد الوجهين” و”غرفة الميلاد” و”غرفة البعث” الخ.. لكنه قد أصبح من المتعذر علينا الآن استبانة الغرض من هذه الغرف ، بعد أن فقدت أسماؤها الدلالة التي توحي بها .
ومن أهم خواص هذا المعبد كثرة الأقبية ، التي بنيت في سمك الجدران تحت مستوى الأرض وغطيت مداخلها بألواح صخرية متحركة وكل هذه الأقبية مزينة بنقوش بارزة ملونة. وقد كانت بعضها لإقامة الطقوس السرية للآلهة ، والبعض الآخر لحفظ كنوز المعبد التي لابد من أنها كانت ذات قيمة كبيرة .
وتزين جدران المعبد من الخارج مناظر تمثل عبادة عدد من الآلهة . ويرى في هذه المناظر كليوبترة السابعة ، في شكل الآلهة إيزيس ، وابنها فيصرون وهما يتعبدان إلى الآلهة .
إن هذا المعبد كغيره من معابد البطالمة والرومان ، بالرغم من تأخر عهده وإنشائه بعد زوال دولة الفراعنة وانتشار الفن الإغريقي في مصر ، لا يختلف في جوهره عن معابد الفراعنة ولا نلمس فيه أي أثر للفن الإغريقي ، فهو مصري خالص في تخطيط وعمارته ونقوشه .
معبد كوم أمبو :
لقد انشئ هذا المعبد في عهد بطلميوس السادس فيلومتور ، لكن زخرفته لم تتم إلا في العصر الروماني ونرى في هذا المعبد أيضًا الخواص نفسها التي نجدها في غيره من المعابد المصرية البطلمية من حيث التصميم والعمارة والزخرفة، غير أنه لهذا المعبد ميزة خاصة تمخضت عن العبادة المحلة في المكان، حيث كان الناس يعبدون إلهين محليين وهما سبك وحورس ذو رأس الصقر، وعلى الرغم من اختلاف هذين الإلهين في النشأة وفي الطابع، فقد عاشا جنبًا إلى جنب قرونًأ طويلة دون أن يمزجا أو يقرنا ببعضهما بعضًا، و من ثم فإنه لا يوجد في هذا المعبد قدسان متجاوران للأقداس فقط بل توجد فيه كذلك على محور كل من هذين القدسين أبواب إلى جانب بعضها بعضًا، في الجدار الخارجي وفي جدران صالتي الأعمدة وما وراءهما، وتبعًا لذلك ينقسم المعبد قسمين خصص كل منهما لعبادة أحد هذين الإلهين.
وقد زينت جدران هذا المعبد بزخرفة مصرية صميمة، تمتاز بدقة صنعها وحسن انسجامها وبجمال ما فيها من التوازن بين شخصيات مناظرها وما حولها من النقوش الهيروغليفية التي تتمم هذه المناظر.
رءوس الأعمدة:
وقد بقى أن نذكر كلمة عن رءوس الأعمدة المختلفة التي كانت شائعة في عصر البطالمة، وكلها معروفة من قبل هذا العصر ولاسيما ما يعرف منها برءوس حتحور ورءوس النخيل ورءوس اللوتس ورءوس البردي، وهي رءوس مصرية صميمة لم يرق الشك إطلاقًا إلى طرازها المصري.
وأكثر رءوس الأعمدة انتشارًا في عصر البطالمة هي رءوس الأعمدة المركبة، التي يرى فيها البعض دون موجب ولا سبب معقول أثراً لرءوس الأعمدة الكورنثية. أما نحن فنعتقد أنها مصرية صميمة، وثمرة النهضة الفنية التي ازدهرت في خلال العصر الصاوي ـ أي في القرنين السابع والسادس قبل الميلاد ـ وكانت تستهدف أحياء التقاليد القديمة، التي أخرجت الكثير من آيات الفن المصري. وبيان ذلك أننا نعرف أن عمودي البردي واللوتس يرجعان في أصلهما إلى القوائم البدائية، التي كان يحمل عليها السقف وتزين رءوسها بالأزهار، لكن لما كان الفنان في العصر الصاوي يفوق بطبيعة الحال فنان الدولة القديمة في التقدم ورقة الشعور، فإنه لم يرجع القهقري إلى تلك القوائم البدائية، بل اتخذ نواة عموده من عامود البردي المزدهر (Campaniform) ذي الرأس المفتوحة، وزينة كما فعل أجداده من قبل بباقة من الزهور. غير أنه اختار الزهور من عدة أنواع بدلاً من نوع واحد، مثل اللوتس أو البردي، كما فعل فنانو الدولة القديمة.
والأنواع المتعددة المعقدة لهذه الرءوس الجديدة لا يمكن أن تكون قد استنبطت في خلال فترة قصيرة، بل لابد من أنها كانت ثمرة تطور طبيعي طويل، لكنه من العسير بل من المحال أن نتتبع الآن أدوار هذا التطور نظرًا إلى تهدم معابد العصر الصاوي. وظهور أنواع هذه الرءوس كاملة على عهد الأسرة الثلاثين في معبد نكتانبو الثاني، أي في أواسط القرن الرابع قبل الميلاد، يحملنا على الاعتقاد بأن تاريخ هذه الرءوس لابد من أنه يرجع إلى عصر سابق على الأسرة الثلاثين. وإذا ما محصنا جميع الاعتبارات المختلفة وجدنا أن العصر الصاوي أنسب وقت لذلك بسبب نهضة الفنية وما ساد فيه من السلام والرخاء. وإذا كانت هذه الرءوس في دور التكوين في خلال القرنين السابع والسادس قبل الميلاد، أي قبل ظهور العامود الكورنثي بمدة طويلة، وإذا ما تذكرنا أصل الأعمدة المصرية المزدانة بالزهور، وإذا ما عرفنا أن العناصر التي تتكون منها الرءوس الجديدة مصرية بحت، فإنه يتضح لنا بطلان الزعم الذي يرى في الرءوس الجديدة أثرًا للعامود الإغريقي الكورنثي. وإذا كانت ثمة علاقة بين الاثنين، فإن العكس أقرب إلى الصواب، لأن المصري كان يزين رءوس أعمدته بالأزهار قبل عهد الإغريق بالأعمدة، كما أن الحلقات (Volutes) الجانبية في الرءوس الكورنثية تحمل شبهًا كبيرًا للأطراف المتدلية من أوراق زهرة السوسن (Iris)، التي كانت رمز مصر العليا، وتستعمل في الزخرفة في مصر الدولة الوسطى.
النحت
ففي الكرنك والأقصر أيكة من الأعمدة أقامها تحتمس الأول والثالث ، وأمنحوتب الثالث ، وسيتي الأول ، ورمسيس الثاني وغيرهم من الملوك ما بين الأسرة الثانية عشرة والأسرة الثانية والعشرين ؛ وفي مدينة حبو (حوالي 1300 ق.م) صرح متسع الأرجاء، وإن كان لا يضارع الصروح السالفة الذكر في فخامتها، قامت عليه فيما بعد قرية عربية وظلت جاثمة على صدره عدة قرون. وفي أبيدوس (العرابة) شيد هيكل سيتي الأول الذي لم يبق منه إلا خرائب ضخمة قاتمة كئيبة ؛ وفي إلفنتين معبد صغير وهو معبد خنوم (حوالي 1400 ق.م) "اليوناني في دقة بنائه ورشاقته"(191)؛ وفي الدير البحري بهو الأعمدة الذي شادته الملكة حتشبسوت ، وبالقرب منه الرمسيوم وهي أيكة أخرى من العمد والتماثيل الضخام شادها المهندسون والعبيد الذين سخرهم رمسيس الثاني ، وفي جزيرة فيلة هيكل إيزيس الجميل (حوالي 240 ق.م.) المهجور الموحش في هذه الأيام لأن خزان أسوان قد غمر قواعد عمده التي بلغت في عمارتها حد الكمال- وهذه البقايا القليلة المتفرقة إن هي إلا نماذج من الآثار القديمة التي لا تزال تجمل وادي النيل وتنطق خرائبها نفسها بما كان عليه الشعب الذي شادها من قوة وبسالة. ولعل في هذه الصروح إفراطاً في الأعمدة وتقاربها بعضها من بعض لإتقاء حر الشمس اللافح ، ولعل فيها بعدا عن التناسب هو من خصائص الشرق الأقصى ، وإفتقاراً إلى الوحدة ، وهياماً همجياً بالضخامة كهيام أهل هذه الأيام. فإن كان ذلك كذلك فإن فيها أيضاً عظمة وسمواً وجلالاً وقوة؛ فيها الأقواس والعقود وهي إن قلت فما ذلك إلا لقلة الحاجة إليها ، ولكنها من حيث المبادئ التي شيدت عليها تسير في طريق الإنتقال إلى المبادئ التي شيدت عليها العمد والأقواس في بلاد اليونان والرومان وفي أوربا الحديثة، وفيها نقوش للزينة لا يفوقها غيرها من النقوش في تاريخ العالم كله ، وفيها عمد على صورة أعواد البردي والأزورد (اللونس)، وعمد من الطراز الدوري الأول وعمد في صورة نساء ، وتيجان للعمد منها ما هو في صورة حتحور ومنها ما هو على صورة النخيل ؛ وفيها قصور ذات نوافذ قرب السقوف ؛ وفيها عتبات فخمة تمتاز بالقوة والثبات اللذين هما روح الجاذبية القوية في فن العمارة. لعمري إن المصريين لهم أعظم البنائين في التاريخ كله بلا جدال.
ومن الناس من يضيف إلى هذا أنهم أيضا أعظم المثالين، فلقد أنشأوا في بداية تاريخهم تمثال أبي الهول ذلك التمثال الذي يرمز إلى الصفات الأدبية التي اتصف بها أحد الفراعنة الأقوياء؛ ولعل هذا الفرعون هو خفرع. والتمثال لا ينم عن القوة فحسب بل يفصح كذلك عن الصفات الخلقية. ولقد حطمت طلقة من مدافع المماليك أنف التمثال وحلقة لحيته، ولكن ملامحه القوية الضخمة تعبر أحسن تعبير وأقواه عما اتصف به ذلك الملك من قوة ومهابة وهدوء ونضوج، وكلها صفات يجب ألا تفارق الملك. وقد علت هذه الملامح الساكنة ابتسامة خفيفة لم تفارقها منذ خمسة آلاف من السنين، كأنما الفنان المجهول الذي صاغه أو الملك المجهول الذي يرمز التمثال له، كان يفهم كل ما يريد الخلق أن يفهموه عن الخلق. والحق أنه هو " موناليزة " من الصخر الأصم.
وما من شيء في تاريخ النحت أجمل من تمثال خفرع المصنوع من حجر ديوريت والذي يقوم الآن في متحف القاهرة. لقد كان هذا التمثال قديماً في أيام هركستليز ، قدم هركستليز نفسه بالنسبة إلينا؛ مع هذا فقد إجتاز حقبة من الزمان طولها خمسون قرنا ، ثم وصل إلينا ولم تكد تؤثر فيه عوادي الدهر ونوائبه. لقد صنع هذا التمثال من أصلب الحجارة وأشدها إستعصاء على الإنسان ، ولكنه ينقل إلينا أكمل ما يكون النقل قوة الملك (أو الفنان) البدنية ، وسلطانه وعناده وصلابة رأيه وبسالته وذكائه. ويجلس بالقرب منه تمثال عابس متجهم لملك أقدم من صاحب التمثال الأول عهدا وهو تمثال الملك زوسر المصنوع من حجر الجير. ومن بعده يكشف لك الدليل بعود الثقاب عن شفافية تمثال رائع من المرمر هو تمثال منقرع.
ويضارع تمثالا شيخ البلد والكاتب تماثيل الملوك من ناحية الإبداع والإتقان الفني الذي ليس بعده إتقان. ولقد وصل إلينا تمثال الكاتب في عدة أشكال ، وكلها من عهود لا نعلمها علم اليقين ، ولكن أشهرها كلها تمثال الكاتب المتربع المحفوظ في متحف اللوفر. وليس تمثال شيخ البلد لشيخ بحق ولكنه تمثال مُشرفٍ على الفعلة بيده عصا السلطة ، يخطو إلى الأمام كأنه يلاحظ عماله أو يصدر إليهم أوامره. ويبدو أن إسمه هو "كعبيرو" ولكن العمال المصريين الذين أخرجوه من قبره في سقارة قد أدهشهم ما رأوه من تشابه بينه وبين شيخ البلد الذي يسكنونه ، فأوحت إليهم فكاهتهم بهذا اللقب الذي إشتهر به والذي لا يزال إلى اليوم ملازما له. وهذا التمثال المصنوع من الخشب المعرض للبلى ولكن الزمان لم يقو على تشويه جسمه المليء، أو ساقيه الغليظتين ؛ وينم وسط جسمه على ما يتمتع به الملاك في جميع الحضارات من سعة في الرزق وقلة في الكدح ، وينطق وجهه المستدير بقناعة الرجل الذي يعرف مكانته ويفخر بها. ويشعرنا رأسه الأصلع وثوبه المتهدل على واقعية الفن الذي كان في ذلك الوقت قد بلغ من القدم درجة أجازت له أن يثور على التقاليد التي جعلت من الفن القديم مثلاً أعلى يحتذى ؛ ولكن فيه أيضا بساطة جميلة وإنسانية كاملة عبر عنها المثال بلا حقد ولا مرارة ، وعبر عنها في يسر ورشاقة ، تمتاز بهما اليد الواثقة الصَّنَاع. وفي ذلك يقول مسبيرو: "لو أن معرضا أنشئ لروائع الفن في العالم كله لاخترت هذا التمثال ليمثل فيه عظمة الفن المصري" - أو هل أصدق من هذا أن نختص بهذا الشرف تمثال خفرع؟
هذه هي الروائع الفنية من تماثيل الدولة القديمة. ولكن هناك آيات فنية أخرى كثيرة أقل منها روعة، منها تمثال رع حوتب وزوجته الجالسان ، ومنها التمثال القوي للكاهن رنوفو ، ومنها تمثالا الملك فيوبس وولده المصبوبان من النحاس ، ومنها رأس باشق من الذهب ، ومنها الصورتان الهزليتان لعاصر الخمر وللقزم كنمحوتب ، وكلها إلا واحداً منها في المتحف المصري بالقاهرة ، وكلها بلا إستثناء صور ناطقة بأخلاق أصحابها. ولسنا ننكر أن القطع المكبرة منها خشنة غير مصقولة الصنع ، وأن التماثيل قد صنعت وأجسامها وعيونها متجهة إلى الأمام ، على حين أن الأيدي والأقدام قد رسمت من أحد الجانبين ، وذلك جريا وراء عرف غريب متبع في جميع ضروب الفن المصري ، وأن الجسم لم يلق من الفنان عناية كبيرة، وأنه مثل في معظم الأحيان في صورة راسخة مقننة لا تتفق مع الواقع- فكانت أجسام تماثيل النساء كلها تصورهن فتيات في شرخ الشباب وتماثيل الملوك تظهرهم كلهم أقوياء، وأن الفردية وإن كانت قد بلغت في فنهم درجة عالية قد احتفظ بها عادة الرءوس دون الأجسام. ولكن مهما يكن من الجمود والتماثل اللذين لحقا فنون النحت والتصوير والنقش البارز وما فرضه عليها الكهنة من قيود العرف ، ومن سلطان لهم شديد ، بالرغم من هذا كله فإن هذا النقص قد عوضه عمق في التفكير ، وقوة ودقة في التنفيذ ، وما تمتاز به الصناعة من طابع خاص وإتجاه وصقل.
والحق أن فن النحت لم يكن في بلد من البلاد أكثر حيوية مما كان في مصر. إن تمثال الشيخ ليخرج على كل سلطان، وإن المرأة التي تطحن الحب لتقبل عليه بكل ما في نفسها من أحاسيس وما في جسمها من عضلات ، وإن الكاتب ليهم بالكتابة ، وإن آلاف الدمى الصغيرة التي وضعت في المقابر لتقوم بالواجبات الضرورية للموتى قد صيغت كلها بحيث يبدو عليها من مظاهر النشاط والجسد ما نكاد معه أن نعتقد، كما كان يعتقد المصريون الأتقياء، أن الموتى لا يمكن أن يشقوا ما دام هؤلاء الخدم من حولهم.
ولم تصل منتجات فن النحت المصري بعد عهد الأسر الأولى إلى ما كانت عليه في عهدها إلا بعد أن مضت عليها قرون كثيرة. وإذ كان معظم التماثيل إنما صنع للهياكل أو المقابر فقد كان الكهنة هم الذين يقررون إلى حد كبير الأنماط التي يلتزمها الفنان. ومن هذا السبيل تسربت إلى الفن النزعة الدينية المحافظة، فجثم على قلب الفن بسببها كابوس التقاليد، وكان سببا في تدهوره. فلما أن تولى الحكم ملوك الأسرة الثانية عشرة الأقوياء عادت الروح الدنيوية غير الدينية إلى الظهور وأثبتت وجودها، واستعاد الفن شيئاً من قوته القديمة، وفاق الفنانون ما كان عليه أسلافهم الأولون من براعة.
ويوحي رأس أمنمحات الثالث المنحوت من حجر الديوريت ببعث جديد للفن وبعث للأخلاق. ذلك أن الناظر إلى هذا الرأس يستف منه صلابة هذا المليك القدير، ويدرك أن الذي نحته فنان قدير أيضا. وثمة تمثال ضخم لسنوسرت الثالث يزينه رأس ووجه لا تقل الفكرة التي أوحت به، ولا القدرة التي أخرجته، عما أوحت به وأخرجته أية صورة أخرى في تاريخ فن النحت كله. وإن الجذع الباقي من تمثال سنوسريت الأول في متحف القاهرة ليضارع جذع تمثال هرقول في متحف اللوفر. وتكثر تماثيل الحيوانات في كل عصر من عصور التاريخ المصري، وهي كلها تفيض بالحياة ، فهنا نجد فأرا يمضغ بندقة ، وهناك ترى قرداً يضرب على وتر ويكشف عن كل ما لديه من مهارة في هذا الضرب ، أو قنفذاً ليس في أشواكه كلها شوكة فير منتفشة. ثم جاء ملوك الهكسوس وانعدم الفن المصري إلا قليلا وبعث الفن بعثاً ثانياً على ضفاف النيل في حكم حتشبسوت وتحتمس وأمنحوتب ومن تسمى باسميهما من الملوك. ذلك أن الثروة أخذت تتدفق على مصر من سوريا، وتحول مجراها إلى الهياكل وقصور الملوك، وتقطرت منها لتغذي الفنون على اختلاف أنواعها.
وقامت تماثيل تحتمس الثالث ورمسيس الثاني تناطح السماء، وغصت أركان الهياكل كلها بمختلف التماثيل ، وكثرت روائع الفن كثرة لم يسبق لها مثيل على أيدي هذا الشعب الذي تملكته نشوة بعثها فيه ما بلغه في زعمه من سيادة على العالم بأسره. إن التمثال النصفي لتلك الملكة العظيمة المنحوت من الحجر الأعبل والمحفوظ في المتحف الفني بنيويورك، وتمثال تحتمس الثالث المصنوع من البازلت والمحفوظ في متحف القاهرة ، وتماثيل أبي الهول المصنوعة في عهد أمنحوتب الثالث والمحفوظة في المتحف البريطاني، وتمثال أخناتون الجالس المصنوع من حجر الجير والمحفوظ في متحف اللوفر، وتمثال هذا الملك نفسه الجاثم وهو يقدم القربان للآلهة جثوماً لا يكاد يصدق الإنسان أنه يفعله والذي مثل الجثوم أكمل تمثيل ، والبقرة المفكرة في الدير البحري التي يرى مسبيرو أنها " تضارع أروع آيات الفن اليوناني والروماني المماثلة لها" وأسدَىْ أمنحوتب الثالث اللذين قال عنهما رسكن أنهما أحسن ما خلفه القدماء على بكرة أبيهم من تماثيل للحيوانات ، والتماثيل الضخمة التي صنعها في الصخر عند أبي سمبل مثالو رمسيس الثاني ، والآثار العجيبة الرائعة التي وجدت في خرائب مَنْحَتِ الفنان تحتمس في تل العمارنة- والتي تشمل نموذجاً من الجبس لرأس إخناتون ينطق بما كان في هذا العهد المليء بالمآسي من نزعة شعرية وتصوفية- والتمثال النصفي الجميل المصنوع من حجر الجير لنفرتيتي زوجة الملك إخناتون ورأس هذه الملكة الجميلة المصنوع من حجر الخرسان وهو أجمل من التمثال النصفي السالف الذكر ، وهذه الأمثلة المنتشرة في بلاد العالم تصور للقارئ صورة من أعمال النحت الكثيرة الرائعة التي يفيض بها عصر الإمبراطورية. ولم تفقد الفاكهة منزلتها بين هذه الروائع الفنية العظيمة؛ فالمثالون المصريون يلهون بالتماثيل الهزلية المضحكة للإنسان والحيوان ؛ وحتى الملوك في عصر إخناتون محطم الأصنام قد جعلها الفنان المصري تبتسم وتلعب . على أن جذوة النهضة الفنية لم تلبث أن خمدت بعد عهد رمسيس الثاني ، وظل الفن المصري من بعده قروناً كثيرة بتكرار الأعمال والأشكال القديمة. وحاول الفن أن ينهض من كبوته في عهد ملوك ساو ، وأن يعود إلى ما كان ينزع إليه كبار الفنانين في عهد الدولة القديمة من إخلاص وبساطة في التصوير. وقد عالج المثالون في عهد هذه الدولة أقسى الحجارة كأحجار البازلت والسربنتين (الحية) والبريشيا والديوريت- ونحتوا منها تماثيل واقعية حية منها تمثال منتيوميحيت ورأساً أصلع من البازلت الأخضر لا يعرف صاحبه يطل الآن على جدران متحف الدولة في برلين. ومما صنعوه من البرونز صورة جميلة للسيدة تكوسشت ، وقد أولعوا أيضا بتصوير ملامح الناس والحيوان وحركاتهم على حقيقتها، فنحتوا تماثيل مضحكة لحيوانات غريبة ، ولعبيد وآلهة، وصنعوا من البرونز رأسي قطة وعنزة هما الآن من منهوبات برلين. ثم إنقض الفرس بعدئذ على البلاد نقضاض الذئاب الكاسرة على الحملان الوديعة المسالمة، ففتحوا مصر وخربوا الهياكل وكبتوا روح البلاد وقضوا على فنونها.
الرسم
والعمارة والنحت أهم الفنون المصرية ، ولكنا إذا أدخلنا الوفرة في حسابنا كان علينا أن نضيف إليهما النقوش الغائرة. فليس من شعوب العالم شعب جـــــد فـــي حفر تاريخه وأساطيره كما جد في ذلك قدماء المصريين. وإنا ليدهشنا لأول وهلة ما بين القصص المنقوشة على الحجارة الكريمة من تشابه ممل ، كما يدهشنا ازدحامها وكثرتها، وما فيها من إنعدام التماثل وعدم مراعاة قواعد المنظر ، أو المحاولات غير الموفقة التي بذلوها لمراعاتها بتمثيل الأشياء البعيدة في المنظر فوق القرية ؛ ونحن ندهش حين نرى طول قامة الملك وقصر قامة أعدائه. هذا في النقوش والتصوير ، وفي النحت يصعب علينا أن نألف رؤية عيون وصدور مرسومة كأننا ننظر إليها من الأمام على حين أن الأنوف والذقون والأقدام مرسومة كأننا ننظر إليها من أحد الجانبين- ولكننا في مقابل هذا يروعنا جمال الباشق والأفعى المنقوشين على قبر الملك ونيفيس ، ونقوش الملك زوسر الجيرية على هرم سقارة المدرج ، ونقوش الأمير هزيريه الخشبية التي أستخرجت من قبره في هذا الموضع نفسه ، وصورة اللوبي الجريح المحفورة على قبر من قبور الأسرة الخامسة في أبي صير ، وهي دراسة دقيقة لعضلات الجسم المتوترة من شدة الألم ولا يسعنا أخيراً إلا أن نتأمل في أناة وهدوء النقوش الطويلة التي تقص علينا كيف إجتاح تحتمس الثالث و رمسيس الثاني في حروبهما كل ما إعترض سبيلهما، وندرك روعة النقوش التي حفرت لسيتي الأول في العرابة وفي الكرنك ونتبين ما بلغته من كمال ، ونتبع بعظيم الشوق واللذة النقوش المحفورة على جدران معبد الملكة حتشبسوت في الدير البحري ، والتي يقص علينا ناقشوها قصة البعثة التي أرسلتها هذه الملكة إلى أرض بنت المجهولة (ولعلها بلاد الصومال). وفي هذه النقوش نرى السفن الطويلة منشورة الشراع تدفعها إلى الجنوب مجاديفها المصفوفة، وتمخر المياه المملوءة بحيوان الإخطبوط والحيوانات القشرية وغيرها من دواب البحر ؛ ونرى الأسطول يصل إلى شواطئ ُبنت ويرحب به شعب البلاد ومليكها، وهم ذاهلون ولكنهم مفتتنون. ونرى الملاحين يأتون إلى السفن بآلاف من ضروب المأكولات الشهية؛ ونقرأ فكاهة العامل البُنتي في قوله : "إياك أن تزل قدماك أيها الواقف هنا ؛ كن على حذر! " ثم نصحب السفائن الموقرة بأحمالها وهي عائدة نحو الشمال مملوءة (كما يقول النقش) بعجائب أرض بُنت ، من ذهب ، وأخشاب مختلفة الأنواع ، وأدهان للعيون ، وقردة، وكلاب ، وجلود نموره. مما لم يُعد به أحد لملك من الملوك منذ بداية العالم. وتخترق السفن القناة العظيمة بين البحر الأحمر والنيل، ونرى البعثة ترسو سفنها في أحواض طيبة وتفرغ ما فيها من بضائع مختلفة عند قدمي الملكة. ثم نبصر آخر الأمر ، كأنما قد مضى على وصولها بعض الوقت ، كل هذه السلع المستوردة تزين مصر. ففي كل ناحية حلي من ذهب وأبنوس وصناديق عطور وأدهان وأسنان فيلة وجلود حيوان؛ والأشجار التي جيء بها من ُبنت كأنها قد أينعت في أرض مصر كما كانت في بلادها الأصلية حتى كانت الثيران تتفيأ ظلال أغصانها. إن هذا النقش بلا ريب لمن أعظم النقوش في تاريخ الفن .
والنقش الغائر هو همزة الوصل بين النحت والرسم بالألوان. على أن الرسم الملون لم يرق في مصر إلى منزلة الفن المستقل إلا في عهد البطالمة وبتأثير بلاد اليونان. أما فيما عدا ذلك العهد فقد كان فناً ثانوياً تابعاً لفنون العمارة والنحت والنقش- وكان عمل الرسام هو ملء الخطوط الخارجية التي حفرتها عُدد غيره من الفنانين ؛ ولكنه كان رغم منزلته الثانوية واسع الإنتشار يراه الإنسان أينما حل. فقد كانت معظم التماثيل تدهن، والسطوح كلها تلون. ولما كان هذا الفن سريع التأثر بالزمن ينقصه ثياب فني النحت والبناء، فإنا لا نكاد نجد الآن من الرسوم الملونة التي أخرجها رجال الدولة القديمة إلا صورة رائعة لست أوزات أخرجت من قبر في ميدوم. ولكننا يحق لنا أن نستنتج من هذه الصورة وحدها أن هذا الفن أيضا قد بلغ في عصر الأسر الأولى مبلغاً يدنيه من الكمال. فإذا انتقلنا إلى عهد الدولة الوسطى وجدنا رسوما بالألوان المائية في قبري أيمن وخنوم حوتب ببني حسن ، وهي تزين القبرين زينة جميلة تبعث في الناظر إليها السرور والبهجة، وكما أن صورة "الظباء والزراع" وصورة "القطة ترقب فريستها" لتعدان من أروع الأمثلة لهذا الفن. وقد تنبه الفنان في هاتين الصورتين أيضا إلى العنصر الرئيسي في التصوير ، وهو أن يجعل من رسومه كائنات حية تتحرك وتعيش.
فلما كان عصر الإمبراطورية غصت القبور بالرسوم الملونة، وكان الفنان المصري قد توصل إلى صنع كل لون من ألوان الطيف ، وتاقت نفسه إلى أن يظهر للناس حذقه في إستخدامها فأخذ يحاول تصوير الحياة النشيطة المنتعشة في الحقول المشمسة على جدران المنازل والهياكل والقصور والمقابر وعلى سقوفها كلها ، فصور عليها طيوراً تطير في الهواء، وسمكاً يسبح في الماء، وحيواناً يعيش في الآجام، وصورها كلها في بيئاتها التي تعيش فيها. ونقش الأرض لتبدو كأنها برك شفافة، وحاول أن يجعل السقف تضارع في بهائها ورونقها كواكب السماء، وأحاط هذه الصور كلها بأشكال هندسية وأخرى مركبة من أوراق الشجر تتفاوت من أبسط الرسوم الهادئة إلى أعقدها وأكثرها فتنة. "فصورة الفتاة الراقصة" وفيها أكبر قسط من قوة الابتداع وروح الفن، و "صيد الطيور في قارب" ، والصورة المرسومة بالمغرة والتي تمثل الفتاة الجميلة الهيفاء العارية بين الموسيقيين في قبر نحت بطيبة كل هذه نماذج متفرقة من سكان القبور المصورين. ونلاحظ في هذه الرسوم كما لاحظنا في النقوش الغائرة أن الخطوط جميلة، ولكن التركيب ضعيف؛ وأن المشتركين في عمل واحد يمثلون متفرقين واحداً بعد واحد وهم الذين يجب أن يمثلوا مختلطين. ونرى الرسام هنا يفضل أن يضع أجزاء الصورة بعضها على بعض بدل أن يراعى في وضعها قواعد المنظور ، على أن الجمود الناشئ عن المحافظة على القواعد الشكلية وعلى التقاليد في النحت المصري كان هو السائد في ذلك الوقت ، ولذلك لا يكشف لنا هذا الفن عن الفكاهة الباعثة على البهجة ، أو على الواقعية ، وهما الصفتان اللتان يمتاز بهما فن النحت في ما بعد ذلك العصر. ولكن الصور كلها تسر فيها مع ذلك جدة في التفكير، ويسر في رسم الخطوط وفي التنفيذ، وإخلاص لحياة الكائنات الحية وحركاتها، وغزارة في اللون والزينة تبعث في النفوس البهجة، وتجعل الصور متعة للعين والروح. وملاك القول أن فن الرسم المصري- رغم ما فيه من عيوب- لم يسبقه فن مثله في أية حضارة شرقية إلا في عصر الأسر الوسطى في بلاد الصين.
 

سعد العراقي راقي

قرب شاطىء العذوبة
إنضم
10 سبتمبر 2017
المشاركات
417,753
مستوى التفاعل
32,652
النقاط
655
الإقامة
العراق
رد: بحث عن فنون وأثار ، بحث علمى كامل جاهز عن المعابد المصريه فى عصر البطالمه

تسلمين تفاحة
شكرا جزيلا لك
 

قيصر الحب

::اصدقاء المنتدى و اعلى المشاركين ::
إنضم
2 أغسطس 2016
المشاركات
369,134
مستوى التفاعل
3,187
النقاط
113
رد: بحث عن فنون وأثار ، بحث علمى كامل جاهز عن المعابد المصريه فى عصر البطالمه

كل الشكر والامتنان على روعهـ بوحـكـ
..
وروعهـ مانــثرت .. وجماليهـ طرحكـ
 

الذين يشاهدون الموضوع الآن 1 ( الاعضاء: 0, الزوار: 1 )