أداة تخصيص استايل المنتدى
إعادة التخصيصات التي تمت بهذا الستايل

- الاعلانات تختفي تماما عند تسجيلك
- عضــو و لديـك مشكلـة فـي الدخول ؟ يــرجى تسجيل عضويه جديده و مراسلـة المديــر
او كتابــة مــوضـــوع فــي قســم الشكـاوي او مـراسلــة صفحتنـا على الفيس بــوك

بعد إجتياح القوات الإيرانية هور الحويزة عام 1985

إنضم
18 يونيو 2015
المشاركات
17,204
مستوى التفاعل
8,001
النقاط
118
العمر
65
الإقامة
العراق
بعد إجتياح القوات الإيرانية هور الحويزة عام 1985
وإقترابها من مدينة القرنة التي أصبحت مهددة بالسقوط في أي لحظة ..بقي لوائنا صامداً وهو يقاتل في جيب ضيق بين منطقة (مزيرعة) ..وجسر القرنة ..كانت خسائرنا كبيرة ..والجنود كان يقاتلون في أماكنهم حتى الموت ..فيُقتلون ويموتون بالجملة من شدة القصف الكثيف والإشتباك القريب ..وأما الجرحى فبقوا دون إخلاء حتى ماتوا في الخنادق ..وحتى أن آمر اللواء أخبرنا أنه ليس هناك قوات ساندة قريبة تفك الحصار عنا ...ويجب علينا القتال حتى الموت ولو بالسلاح الأبيض ..! وقد تناقلت بعض الإذاعات خبر محاصرتنا هناك وإن لوائنا قد أبيد أغلب مقاتليه وسيستسلم البقية منهم إلى الجيش الإيراني عن قريب ..ولاأدري كيف وصل الخبر إلى أهلي في كربلاء ..!
في اليوم الرابع ..وكان القصف على أشده ورائحة الموت تلف المكان جاء سائق إسعاف وهو يسأل عن إسمي ..فأرشدوه إلى الساتر الذي نقاتل دونه ..ولما وصل إلي وأنا في الخندق وكنت لاأستطيع أن أفتح جفني من شدة التراب والدخان والسهر..قال : أنت عبدالهادي من كربلاء ..قلت نعم ..قال ..والدتك تنتظرك منذ ليلة أمس عند رأس الجسر عبر النهر من جهة القرنة ... وهي لم تترك أحداً يمر بها إلاّ توسلّت به وحمّلته أمانة أن يصل إليك ويخبرها عن وضعك ..لإن هناك أخبار وصلتهم تقول بإنك جريح وأخبار أخرى تقول بإنك قتيل ولازالت جثتك في الأرض الحرام ..ويجب أن تسرع إليها لتطمأن عليك ..!!
عند سماعي هذا الخبر ..لاأستطيع أن أصف لكم الذهول والصدمة التي أصابتني تلك اللحظة ..أمي تنتظر هناك منذ ليلة أمس ..وهذا القصف المدوي والموت وزعيق المدافع ..كيف جائت من كربلاء إلى الجنوب ...كيف وصلت ..من الذي أتى بها ..كيف ..؟!
نسيت نفسي..لم أعبأ بالقصف أو القنص وأزيز الرصاص المستمر..خرجت من الخندق وركضت بإتجاه ملجأ آمر سريتنا ..أخبرته بالقصة ..فرأيت ثمة دمعة نزلت على خديه ..وسمح لي بالإنصراف والوصول إلى أمي لإطمئنها بإني لازلت حياً .. كانت المسافة بين الجسر والساتر حوالي 800 متراً ..ركضت تلك المسافة بكل قوة دون شعور ..ولم أتذكر بإني ركضت في حياتي كلها مثل تلك المسافة رغم ثقل الملابس والخوذة والبندقية !!.. أردت العبور على الجسر ..فمنعتني مفرزة الإستخبارات هناك ..وقالوا لي : عليك أن تعبر عن طريق الزورق إلى الضفة الأخرى ..ولكنني جازفت ..وركضت فوق الجسر الذي كانت قذائف المدفعية والراجمات الإيرانية تتساقط كالمطر على يمينه ويساره حتى ملأته الثقوب والفجوات وراح يترنح ويهتز من كل مكان كأنه يهوى في النهر ..ولم أنس تلك اللحظة ..اللحظة التي لمحت فيها سوادة من الطرف الآخر لنهر دجلة وهي ترفع ذراعيها تارة إلى السماء وتارة نحوى ....كانت أمي تحتمي من القصف مع بعض الجنود وسط حفرة دائرية كبيرة محاطة بأكياس من الرمل وقد غمرها التراب والدخان ...و لما لمحتني قادماً من بعيد وقفت على طولها ..وأرادت أن تتلقاني فوق الجسر ولكن الجنود منعوها وهم يصيحون بها : خاله ..أبقي في مكانك ....القصف مستمر والشضايا تتطاير في كل مكان... وإبنك هاهو قد وصل ..أنزلي رأسك ..لاتموتين ..!؟؟
ولكن أمي لم تطأطيء رأسها ..وبقيت واقفة كالشبح مسمرة عينيها نحوي ..وأخيراً إلتقينا ...كانت الدموع هي الكلام بيننا لمدة نصف ساعة وأنا في حجرها شعرت كأني رجعت طفلاً صغيراً ..نظرت بوجهها كان غمامة من تراب ودخان ..وعيناها شاحبتان متورمتان من السهر والتعب والقلق الذي أضناها .. أخذت أعاتبها وأنا أبكي : لماذا أتيت من كربلاء وقطعت كل هذا الطريق الخطر وأنت مريضة ....هذه حرب وأنت تعرفين هذا هو مصير الجنود في الحرب ياأمي !؟....فقالت ..صحيح هذه حرب ..ولكنني أم ..هل تعرفون ماذا يعني لكم الأم ..!؟؟ فرأيت الجنود القريبين منا يبكون لكلامها ...!
وبعد أن إطمئنت على سلامتي مؤقتاً ..كان آخر حديث بيننا في ذلك اللقاء القصير قالت لي أمي: أنا الآن قد عاد لي نصف قلبي ..وأما النصف الآخر فقد إحترق وأنتهى في الطريق ...قلت سلم الله قلبك ..خيراً أمي لماذا أحترق نصف قلبك في الطريق ..؟
قالت ..لكثرة مامرت بنا جنائز الشهداء الملفوفة بعلم العراق وهي تتجه صوب المدن البعيدة ..كل جنازة تمر هي لاشك ستثكل أماً مثلي .. وكلما وقعت عيني على جنازة شهيد أشعر بنوبة قوية تضربني كطعنة السكين في صدري ..فتدمي وتتلف جزءاً من قلبي.!
وفعلاً ..وبعد 3 سنوات من تلك الحادثة عام 1988 توفيت والدتي في مستشفى الحسيني في كربلاء قسم الأنعاش بسبب تلف كل صمامات قلبها ..وتوقف قلبها المتعب إلى الأبد ..!

((اختلطت المشاعر بين حنان الام و حب الوطن))

87271367_2592039807709944_6073668971607883776_n.jpg






٦٧
 

عطري وجودك

Well-Known Member
إنضم
5 أغسطس 2019
المشاركات
82,910
مستوى التفاعل
3,432
النقاط
213
رد: بعد إجتياح القوات الإيرانية هور الحويزة عام 1985

طَرِحْ ممُيَّز جِدَاً وَرآِئعْ
تِسَلّمْ الأيَادِيْ
ولآحُرمِناْ مِنْ جَزيلِ عَطّائِهاْ

إحترامي
 

madness man

:: يارب ان تستريح خطانا ::
طاقم الإدارة
إنضم
20 مارس 2014
المشاركات
87,761
مستوى التفاعل
75,274
النقاط
210
الإقامة
baghdad
رد: بعد إجتياح القوات الإيرانية هور الحويزة عام 1985

وهل هناك كائن على وجه الارض كـ الام ابداً والله
رحمها الله وجعل قبرها نوراً سرمدا
كل الشكر ابو مناف
 

غمزة

الأمارلس
إنضم
27 أغسطس 2017
المشاركات
170,416
مستوى التفاعل
1,626
النقاط
113
رد: بعد إجتياح القوات الإيرانية هور الحويزة عام 1985

جزيل الشكر لطرحك هذا
تحياتي واحترامي
 

قيصر الحب

::اصدقاء المنتدى و اعلى المشاركين ::
إنضم
2 أغسطس 2016
المشاركات
369,138
مستوى التفاعل
3,187
النقاط
113
رد: بعد إجتياح القوات الإيرانية هور الحويزة عام 1985

ابدااااع راقي..
وفي منتهى الروعه والجمااال
كلمااااااااات من ذهب..
ومعطرة بعطور ساحرة..
لاعدمنا كل مايخطه قلمك لنا
تحياتي وعبير ودي
 

سعد العراقي راقي

قرب شاطىء العذوبة
إنضم
10 سبتمبر 2017
المشاركات
417,722
مستوى التفاعل
32,568
النقاط
655
الإقامة
العراق
رد: بعد إجتياح القوات الإيرانية هور الحويزة عام 1985

شكرا لجهودك
تحياتي لك
 

الذين يشاهدون الموضوع الآن 0 ( الاعضاء: 0, الزوار: 0 )