أداة تخصيص استايل المنتدى
إعادة التخصيصات التي تمت بهذا الستايل

- الاعلانات تختفي تماما عند تسجيلك
- عضــو و لديـك مشكلـة فـي الدخول ؟ يــرجى تسجيل عضويه جديده و مراسلـة المديــر
او كتابــة مــوضـــوع فــي قســم الشكـاوي او مـراسلــة صفحتنـا على الفيس بــوك

حتمًا ...سأشيخ معها (٣،٤،٥)

الجور ي

الjo هسيس بين يقظة وغيم
طاقم الإدارة
نبض اليراع وسام المحاور فذ
إنضم
26 يونيو 2023
المشاركات
140,088
مستوى التفاعل
127,036
النقاط
7,508
أعلم أني آذيتها…
أعلم، وكم كرهت تلك المعرفة.
لكنني – أقسم – لم أخنها بروحي أبدًا.
كل خيانتي كانت بجسدي فقط…
شيء ميت، شيء لا يشعر…
كأنني كنت أستعير جسدًا لا يشبهني، أُقرضه لخطأٍ عابر، ثم أرجعه وأغتسل منه كما تُغسل الصحون من بقايا العشاء.

لكنها...
آه، هي لم تكن كبقية النساء،
حين علمت، لم تصرخ أولًا،
بل دافعت عني، عن خيانتي نفسها.
قالت لهم:
"لا، أنتم تكذبون… هو لا يفعلها، لقد قال لي إنه لا يحتمل دموعي،
كيف يفعلها؟ كلامه كان كالقسم، كالحلفان…"

ذاك المشهد لا يفارقني…
وجهها، وشفتاها حين ارتجف الصوت في آخر الجملة،
كأنها لم تكن تدافع عني، بل كانت تتشبث بي كي لا تنهار،
كأنها تحاول أن تنقذ آخر ما تبقى من الحلم.

خيالها هذا الصباح لم يفارقني،
رأيتها عند باب المنزل،
بروبها الأسود،
شعرها مسدل كما تحبه دائمًا،
وعيناها…
آه، من تلك العيون…
هي وحدها التي تعاتب دون كلمة،
تعاتب بالرمش، بالنظر المائل، بوميض الانكسار الخفيف.

كنت أمدّ يديّ إليها،
كنت على وشك أن أقول شيئًا…
لكن الهاتف ارتج فجأة.
ارتج كما لو أن الأرض استيقظت تحت قدمي.
نظرت إلى الشاشة.
اسمها… لم يكن.
صديقتها؟ لا.
رقمٌ لا أعرفه.
كانت رسالة منها.
صوتها لم يأتِ، لكن حروفها خفقت بي كأنها نبضٌ مؤجل.

"لا تطل السهر، وتدثّر جيدًا، الجو بارد."
قرأتُ الجملة مرارًا…
كأنني أتحسس حرارة يدها من شاشة باردة،
كأنّ "تدثّر" هذه كانت حضنًا مرتجفًا لم يُقَل.

رددت فورًا…
كمن يمسك بآخر خيط للنجاة:
"أنتِ؟"
بلا مقدمات.
بلا حياء.
بلا كبرياء.
فأنا أذنب وأتشبث بالرحمة.

ردّت بعد دقائق شعرتُ فيها أن الوقت تمدّد على صدري كصخرة:
"أنا بالعمل… سآتي صباحًا."
ثم جاء بعدها التصحيح… أو الهروب:

"وصلت رسالتها."
وبعدها…
"واستدراكٌ منها."
قالت فيه:
"أعتذر، أقصد: ليلة سعيدة."

ضحكتُ، لكنها ضحكة مقطوعة.
ضحكة كأنها تنهيدة لم تكتمل.
فمن يكتب "سآتي صباحًا" ويستدرك إلى "ليلة سعيدة"،
يعني أن قلبه أفلتَ لحظة… ثم عاد لينضبط،
كأنها استدركت أن الحنان ممنوع الآن،
أن الحضور ليس مسموحًا بعد.

لكنني…
آمنت بالجملة الأولى،
وسأنتظرها على عتبة الصباح،
بروبها الأسود، وشعرها المفرود،
وعيونها التي لم تقل "أكرهك" أبدًا.

لكن قلبي يعرفه.
 

الجور ي

الjo هسيس بين يقظة وغيم
طاقم الإدارة
نبض اليراع وسام المحاور فذ
إنضم
26 يونيو 2023
المشاركات
140,088
مستوى التفاعل
127,036
النقاط
7,508
حتمًا ...سأشيخ معها (٤)
تلك الليلة،
لم أدخل غرفتي.
السرير بدا بعيدًا، باردًا، مملًا.
نمت في المجلس، كما ينام المنتظرون على رصيف السفر.
تركت الباب مواربًا على الشارع، كأنني أترك فسحة للقدر أن يطرق دون استئذان.

لم أخشَ انسلال قط أو كلب.
ولم أخجل من نسمات البرد،
فأنا كنتُ قد تدثرت بكلمتها…
"لا تطل السهر، تدثّر، الجو بارد."
هل قالتها بحب؟
ربما لا…
لكني أحببتها بالنيابة عنها.

استلقيتُ على الأريكة،
ووضعت الهاتف على صدري،
كأنني أحتضنه…
أو أحتضن نبضها المختبئ خلف شاشة باردة.

نمتُ على صمتٍ فيه ألف صوت.
وكل حلم مرّ، كان له ظلّها.

فجرًا…
رنّ الهاتف.
صوت الرسالة أيقظني، لكن لم أفتح عيني،
كنت أعرف أنها هي…
فتحت الرسالة بتردد من يعرف أنه سيتلقى شيئًا مقدسًا.
كان تسجيلًا صوتيًا.
صوتها ناعس…
خافت…
صادق…
قالت:
"صباح الخير… لا تنسَ الصلاة."
لا شيء بعد هذا يُقال.

قمتُ من فوري.
غسلت وجهي من أثر ذنبي.
فرشت السجادة.
وصليت.
كل سجدة كانت تشبه همسها.
جلستُ بهدوءٍ غريب،
كأنني خائف من كسر اللحظة، أو من إيقاظ ما بقي في صدري.
صنعت قهوتي كما تفعل العاشقات: ببطءٍ، بحذرٍ، بتوقير.
سكبتها في الفنجان الوحيد، كأنني أخاف أن ينهض الشتات من جديد لو رأى فنجانين.

ثم انسلتُ من الباب...
لم أكن أبحث عنها، لكني كنت أعرف أنها ستأتي.
نعم، كانت هناك.

واقفة عند العتبة، تبتسم،
تنظر إليّ تلك النظرة التي لا تفضح شيئًا… لكنها تقول كل شيء.
عيناها كانتا تمشيان إليّ قبل قدميها،
وكان قلبي يهمس: "أرجوكِ، تعالي ولا تقولي شيئًا، فقط ابقي."
ولم أقل شيئًا...
أنا أيضًا لم أقل شيئًا.

اقتربتْ، ولامس ظلها وجهي…
عندها استيقظ صوت صغير.
ابني يناديني من الغرفة المجاورة.

فتحت عيني.
كانت الشمس خفيفة...
والفنجان ما زال دافئًا،
لكنها… لم تصل.

كان مجرد حلم.

ابتسمتُ بمرارة،
ثم قلتُ لنفسي:
"حتى الحلم، يا صديقي، يتآمر مع الغياب."​
 

الجور ي

الjo هسيس بين يقظة وغيم
طاقم الإدارة
نبض اليراع وسام المحاور فذ
إنضم
26 يونيو 2023
المشاركات
140,088
مستوى التفاعل
127,036
النقاط
7,508
حتمًا ...سأشيخ معها (٥)
امتلأ صباحي بها… حتى النشوة وأكثر

لممتُ شتات نفسي،
والتفتُّ إلى ابني.
قال:
"نريد خبزًا."
أغمضت عيني، عدّلت جلستي، وهززت رأسي:
"حسنًا."

خرج ابني من المجلس،
وبقيتُ مع فنجان قهوتي.

رسالة تومض.
كانت هي.
أنا أعلم أنها لن تترك صباحي دون أن تكون فيه.
فتحت الرسالة…
كانت تسجيلًا صوتيًا.

صوتها بدا متعبًا…
ألقت عليّ تحيّة الصباح، ثم غنّت لي.

دقيقتان ونصف.

وسكن المكان.
حتى العصافير خجلت أن تُصدر صوتًا.
الرياح سكنت.
وقلبي… انتفض.

لا أعلم ما يميز هذه المرأة،
تسلبني عقلي كلما ظهرت،
كلما سمعتُ صوتها،
سلبتني روحي.

أعدتُ التسجيل وأنا أتذوّق قهوتي.
كنتُ مغمض العينين،
أراها أمامي،
كأن الحواس كلها صارت لها.

انتهى التسجيل.
نهضت.
وضعت الهاتف في جيبي، قرب قلبي.
وخرجتُ إلى البقالة أبتاع الخبز لعائلتي.

لكن داخلي…
كان يعيش صراعًا دامياً.
كيف ستتقبّل؟
أن لي زوجة وأولاد؟
كيف؟
لا أعلم.
ابتعتُ الخبز،
أرسلته للبيت،
وسرت.
إلى أن وصلت الحديقة العامة.

هناك مقعدٌ،
لطالما أحببت أن أجلس عليه.
فعلت.

اشتريت كوب شاي.
فتحت هاتفي.
وضعت صورتها أمامي،
واستمعت لتسجيل قديم…
كانت غاضبة يومها ورغم غضبها…كنت أبتسم.
احتسيت الشاي.وهي تتكلم.ونظرت لعينيها،
وهي تقول:
"أنا هكذا. أفهمت؟"أجل، فهمت.
فهمت أنكِ مختلفة.فهمت أنكِ لستِ حلمًا، بل حياة مؤجلة.
سأكتب عنكِ اليوم. هذا مؤكد.أنتِ ملأتِ صباحي…
حتى النشوة.وحتى أكثر.

عدتُ إلى البيت ممتلئًا بها… أطفو فوق أثر صوتها كما يطفو ورق الخريف فوق ماء راكد، غير أن زمن الحلم لا يطول.
ما إن عبرت البوابة حتى استقبلتني عاصفة لا علاقة لها بالحب.
كان ابني يصرخ من الألم، يتلوّى على الأرض، كأن نارًا تشتعل داخله.

لم أفكر، لم أتنفس، فقط حملته بين ذراعي وركضت به كالمجنون نحو السيارة.

المشفى، الطوارئ، الأضواء، الركض، الأوراق، الإبرة… كل شيء تسارع.

التشخيص كان واضحًا: عملية فورية لاستئصال الزائدة.

حولي التفّت الأسرة كلها: زوجتي، أبنائي، بناتي. وجوههم مبللة بالقلق، نظراتهم تبحث عن خلاص في عينيّ، وأنا؟ كنت شاردًا… متيبّسًا… وقلبي يهوي جهة أخرى.

كنت أحاول لملمة أفكاري، لكن لا قهوة هذه المرة، ولا صوت، ولا حنين، استطاع أن يجمعني.

ثم خرجت الطبيبة من غرفة العمليات.

كان وجهها مغطى بالقناع، لكنها حين التفتت نحوي… توقف الزمن.

هي.......

لم أكن قد تخيلتُ أن تلتقي بنا الحياة هكذا، على عتبة ألمٍ مشترك، دون ترتيب، دون حياد. كانت تمسك تقارير العملية بيدٍ، وبالأخرى نظرت إليَّ… فرّت يدها من تلقاء نفسها إلى جيب معطفها الطبي، كأنها تهرب من رعشة لم تردني أن أراها.

بدأت تشرح لزوجتي تفاصيل حالة ابننا، وأنا واقفٌ في المنتصف، أحتضن ابنتي الصغيرة، ويدي تلتف على كتف زوجتي. رأيتها، بكل وضوح، ترى كل ذلك.

نظرتها اخترقتني كنصل. كانت تكتم وجعًا لم تعرف كيف تُخفيه، ولا كيف تُفصح عنه.
خفضت عينيها فجأة، وضغطت كفها على صدرها كأنها تُسكت قلبها عن قول شيء ما، ثم مالت على الجدار، وغادرت بخطى مترددة.

كان لا بد أن تنتهي المشهدية هناك… ولكنها لم تفعل.

حين نُقل ابني إلى غرفة الإفاقة، وبقي الجميع ملتفًّا حوله، انسحبتُ إلى زاوية لا تصلها العيون. أخرجت هاتفي لأتصل بها. تسع رسائل كانت تنتظرني… جميعها قبل دخول ابني غرفة العمليات. وبعدها… لا شيء. صمت.
قلبت في الرسائل، أبحث عن صوت، عن تنفّس، عن أي نَفَس يدلّ أنها ما زالت هنا.
خرجت بحجة ابتياع قهوة.
سألت إحدى الممرضات عنها، قالت:
"الطبيبة ؟ مريضة اليوم… وغادرت."

لكنني رأيتها بعيني منذ دقائق…
كانت ترتجف…
كانت تتألم…
كانت تختنق ولم تقل شيئًا.

لا أعلم كيف تنتهي هذه الحكاية.
لكني أعلم أنها بلغت عقدتها… وعليّ الآن أن أقرر:
هل أكون رجلًا واحدًا لقلبٍ واحد؟
أم أظل مقسمًا كقارة مكسورة، نصفها يحيا، ونصفها لا يريد النجاة؟
 

الذين يشاهدون الموضوع الآن 1 ( الاعضاء: 0, الزوار: 1 )