سعد الدليمي
Well-Known Member
قضاء عفك من اقدم الاقضية التابعة الى محافظة الديوانية يبعد عن مركز المدينة بحدود (20) كيلو متراً باتجاه قلعة سكر .
يدخل في القضاء نهر الدغارة المتفرع من نهر الفرات (شط الحلة ) بعد ناحية القاسم التابعة لمحافظة بابل فيقسمه الى قسمين، قسم كان فيه مخفر للشرطة الذي يسمونه (الدرك) ثم انشئت فيه الدوائر الحكومية (قائممقامية القضاء والمحكمة والبلدية ودائرة البريد والهاتف ودائرة الماء والكهرباء ومستشفى وغيرها من الدوائر الاخرى) وكانت حركة الناس قليلة في هذا القسم لقلة مراجعة المواطنين لهذه الدوائر .
والقسم الاخر احتوى على سوق كبير فيه جميع المهن والحرف المعروفة في ذلك الوقت قبل عقود من الزمان وجميع انواع السلع والمواد المتداولة وفيه مقاه عديدة وخلف السوق تنتشر الدور السكنية.
اما الاراضي الزراعية فهي منتشرة في كلا القسمين ما بعد المباني والدور.
مجتمع عفك مجتمع ريفي عشائري يمتاز افراده بالطيبة والبساطة والتواضع وكان الفقر المادي هو ميزة غالبة على معظم افراد المجتمع نتيجة تسلط الاقطاع عليهم وقهرهم حتى منعت الساعة والقلم والحذاء على الفلاح باعتبارها ترفاً مقتصراً على الاقطاع وحاشيته.
وصادف ان ذهب اسكافي الى عفك لحضور مجلس فاتحة والاسكافي هو صاحب المهنة الذي يقوم من خلالها بترقيع وخياطة الاحذية والنعال (بكسر النون) وهي جمع لمفردة (نعل) (بفتح النون) والتي معناها ماوقيت به القدم من الارض ويسمونه (الركاع) في عفك وفي مناطق كثيرة من العراق فاغتنم ذلك (الركاع) الفرصة للتجوال في سوقها الوحيد ليشاهد عمل اصحاب مهنته ولكنه لم ير (ركاعاً) واحداً في ذلك السوق الكبير الذي يعج بالرواد.
سأل (الركاع) اهل السوق عن مكان تواجد (الركاعين) فأعلموه بعدم وجود (ركاع) في كل قضاء عفك فسر سروره وظن انه لو انتقل بعمله الى عفك سيكون مطلقاً دون منافس كما هو في بلدته وسيربح كثيراً وكانت احلام اليقظة تتزاحم في فكره في طريق العودة الى مدينته يحسب ارباحاً ويحدد صرفيات ويقدر مدخرات وما ان وصل الى بلدته حتى اخذ عدته وعاد الى قضاء عفك وأخذ له مكاناً في واجهة من المقاهي الواقعة قريباً من النهر وافترش عدته وظن ان الناس سيتزاحمون عليه لانه صار (الركاع) الوحيد في القضاء.
كان النعال الذي يسمونه (مركوب) تتم صناعته في ذلك الوقت من جلود الحيوانات فمقاومته كبيرة وتعرضه للاستهلاك قليل. لاحظ (الركاع) وهو يحتسي الشاي من المقهى قدحاً بعد اخر ان ابن عفك يأتي ماشياً على قدميه مسافات طويلة وهو حاف و (مركوبه) في منكبه (تحت ابطه) وما ان يصل الى مقربة من السوق حتى يجلس على حافة النهر ويمد رجليه في النهر ليغسل قدميه ثم ينشفهما ليدسهما في (مركوبه) ثم يأتي الى السوق وحين يجلس في المقهى يخلع نعليه ويضعها امامه او جانباً خوفاً من تلفها بسبب تعرق قدميه وحين يغادر السوق او المقهى يضع نعليه (تحت ابطه) ليعود من حيث أتى ماشياً حافي القدمين.
ظن (الركاع) ان هذا الفعل الذي رآه انه بخل من هذا اوذلك ولكنه عندما شاهد ان هذه الحالة عامة ولاتقتصر على اشخاص معدودين ولما لم يراجعه اي مواطن لترقيع او خياطة نعله لملم عدته وعاد الى مكان عمله السابق في مدينته مديوناً ثمن اقداح الشاي التي شربها لصاحب المقهى وهو يقول:
الموضوع الأصلى من هنا:
(قيم الركاع من [URL="http://www.aljbor.net/vb/showthread.php?t=42359"]ديرة [/URL]عفج) فسار قوله مثلاً بين الناس وانتشر خارج قضاء عفك حتى لتجده يضرب في محافظات كثيرة لمن يطلب رزقه في غير مكانه او لمن يأمل ممن لا امل فيه .ومازال المثل سارياً ومازال ورثة صاحب المقهى يطالبون ورثة (الركاع) بتسديد ديونه بالعملة الصعبة،وهكذا الحكومه تسرق ونحن ندفع الديون واكطعو انفسكم من الحكومه الرشيده...
ونختم بالبيت المأثور... لاتكن للعيش مجروح الفؤاد انما الرزق على رب العباد.