أداة تخصيص استايل المنتدى
إعادة التخصيصات التي تمت بهذا الستايل

- الاعلانات تختفي تماما عند تسجيلك
- عضــو و لديـك مشكلـة فـي الدخول ؟ يــرجى تسجيل عضويه جديده و مراسلـة المديــر
او كتابــة مــوضـــوع فــي قســم الشكـاوي او مـراسلــة صفحتنـا على الفيس بــوك

قصة لحظات ثلجية . بقلم / القاص محمد سمارة

محمد يوسف

ابو الحسن
إنضم
23 أغسطس 2019
المشاركات
76
مستوى التفاعل
73
النقاط
18
العمر
58
الإقامة
العراق - بغداد
كنا نجلس في مطعم منعزل يتعلق في جبل ضخم خارج المدينة و على مدى الرؤية تختبىء البيوت القرمدية بين كومة من الاشجار البيضاء فبدا المنظر رغم جماله موحشا.

كنت والفتاة نجتر ذكريات باهتة محاذرين الخوض في حزن الوداع القريب فلم ننتبة الى الطعام الذي قدمه لنا النادل بطريقة رشيقة هادئة واختفى بعد قليل جاء عازف الكمان الذي رايناه منذ لحظات يحوم قرب مدخل المطعم ولما لم يجد من يناديه تاملنا بصمت وتردد قبل ان يغادر المكان ويجتاز الممر خارج المطعم وفي الخارج راحت السحب الدخانية تلمس القمام الجبلية وتقترب من النافذة بينما الثلج يدفن كل شيء الوديان والبيوت والاشجار عالم مسربل بالبياض وكنت اجد صعوبة في معرفة لون الاشياء المدفونة في البداية حاولت ان اتصنع المرح فكرت الفتاة واشرت الى طير يرفرف عند السفح في محاولة لايجاد مخبا له بين الاشجار واذ اخفق اتجه الى مدخنة بدات اسفل الجبل كقبعة حمراء.

كانت الفتاة شاردة تماما ومع ان المكان دافئ و السمك الذي تاكله لذيذ جدا فقد ازاحت الفتاة صحنها الى جانب ومسحت فمها و لم تاكل شيئا تأملتني بسكون و فتحت فمها لتقول شيئا ولما كنت امامها كتمثال فقد ترددت قبل ان تقول انظر ان السمك يلبط في البركة الاصطناعية تحت النافذة هل تمنيت ان تصطاد سمكة تلبط في الماء تحت بصرك اعني ان تخرجها من الماء و تضعها في الزيت المغلي وهي تلبط ثم ندسها مرة واحدة في فمك لقد قرات ان هذا ما كان يفعله مغامر يدعى " هاير داهل' وهو يخترق المحيط للتأكد من قضية تاريخية كان يتناول هذا الطعام كل يوم وفي كل وجبة وبالطريقه نفسها سمك سمك سمك حتى قرف من السمك ومن لونه ورائحته وتمنى اخيرا لو بستبدل السمك بفأر ميت .

وكركرت الفتاة و دفعت راسها الى الخلف فبدت جميلة بتسريحتها الصبيانية وفمها الدقيق لدقائق اخذ جو المطعم يزداد دفئا وكانت المدفئات البخارية تعمل بلا انقطاع خلعت ( جاكتتي ) وفعلت الفتاة مثلي وهي ترمقني بنظره جانبيه كما لو كانت تقول لماذا لم تضحك لحكاية الفار و بدات الطرق الملتويه البيضاء تحت النافذة خطوط طبشورية لوحة من الجمال الوحشي.

وقالت الفتاة انه الطريق الوحيد الذي يقودنا الى المدينة حتى لو كنا معصوبي العيون ترى كم قطعنا من الوقت حتى وصلنا الى هذا المكان المنعزل بعد قليل دخل عازف الكمان ثانية عزف اغنية حزينه لرجل يجلس قرب الباب واذا انتهى نظرة صوبنا بصمت ثم توجة الينا مباشرة وبدا يعزف اغنية مريحة واذا انتهى تريث في انتظار ان نقول شيئا ولما كان ثم هدوء نفسي بدا يداخلني فقد طلب اليه اعادة اللحن وحين نفخته بقطعة نقد ورقية انحنى ثلاثة مرات وقال شكرا سيدي انت اظرف انسان رايته ..

ورفع قبعته وتراجعه بخطوات وقوره هادئه لكنني طلبت اليه ان يجلس ..

قالت الفتاة : هل انت من المدينة ؟

اجاب كلا بل من هناك واشار بيده الى كومة من البيوت القرميدية البعيدة.

وقالت الفتاة معنى هذا انك تقطع فرسخين لكي تصل الى هنا لماذا؟

لست ادري ربما لاني مولع بالعزف . انني لا استطيع العيش بدون عزف .. كما لا استطيع العزف بدون مستمعين . ذات يوم عزفت لعصفورين رايتهما على غصن فلم يطيرا ثلاثة ساعات كاملة. هل تتصوران هذا: ان يظل العصفوران على الغصن لثلاثة ساعات ؟ يومها استوحبت من هذا المنظر مقطوعة جميلة وعندما عدت الى البيت كان اللحن قد طار من راسي فبكيت . وقلت انني قد عجزت تماما . عجزت عن استعاده الاشياء الجميلة التي أخلقها.

واسند الرجل كمانه على خده . قال: هل ترغبان في ان اعزف مقطوعة الرجل الذي فقد حبيبته ؟

دهشه الفتاة : لماذا؟ هل انت تعرف اننا في لحظة وداع ؟

ارتبك الرجل : كلا . لكنها معزوفتي المفضلة.

وشرع يعزف محتضنا كمانه وينظر الينا بوجة خريفي .وعندما انتهى ناولته الفتاة ورقة نقدية أخرى . قالت :

هل تعيش وحدك ؟

-اجل

- وزوجتك ؟

- اضطرب الرجل :

- لماذا ؟ انتهى كل شيء ، فبقيت وحيدا . هل اموت اذا بقيت وحيدا ؟

- كلا . لماذا تموت ؟

واطرق الرجل . و للحظة اشرق وجهه بابتسامة كبيرة . قال :

احقا انتما في لحظة وداع ؟ واذا أومأنا له برأسينا . تطلع خارج النافذة . قال :

- ثمة بيت ريفي منعزل في أعلى الجبل . بيت خشبي متواضع لبس فيه غير كرسيين وطاولة واحدة . ودفتر كيير . انه لتلك الدقائق التي تسبق الوداع اكتبا في هذا الدفتر ما يجيش به الصدر . كلمات قليلة قد تربح القلب . ومن يدري . فقد تعودان يوما ، وتصدق النبوءة . يقولون ان هذا ما يحدث للعشاق عادة .

كان الرجل قد اخذته نوبة من الحماس ، فترك الكمان يسقط على الطاولة . ولما رفعه مرتبكا، كان النادل يرمقه بوجه بارد . فحمل كمانه ورفع قبعته ثلاث مرات ومضى .

وقالت الفتاة : ايصدق هذا الرجل . هل نعود اذا كتبنا في ذلك الدفتر حزن القلب ؟

وقبل أن تقول شيئا آخر. نهضت خارجة فتبعتها. وكان الثلج بدأ يهمي، والبرد يزداد . وثمة غيوم تحملها الريح بعيدا . وفي الطريق الجبلي الذي أشار إليه الرجل ، رحنا نتخبط في التواءاته البيضاء. وبعد مسيرة نصف ساعة ، كان البيت الخشبي ينتصب امامنا كبناء مقدس مهجور . وفي الداخل واجهتنا رائحة عطنة حادة . وخمنت أن مئتين من الأعوام في الاقل مضت على اول مسمار دق فيه . كان الجو - في الداخل - دافئا جدا ، حتى أن الفتاة تساءلت ما اذا كان مسكونا قبل لحظات . وعندما تفقدنا محتوياته، كان ثمة كرسيان ودفتر ، وآثار إقدام عارية.

وقالت الفتاة : ومن يأتي إلى هنا سوى المجانين والعشاق ؟

وتناولت القلم ، والتفتت حائرة : وماذا اكتب ؟

ولما رأتني ارقبها بصمت ، ترددت وقالت ثانية : ماذا اكتب لتعود ؟

- لا شيء.

- لماذا؟

لم أدر بم اجيب . خطوت نحو النافذة. وبدت الوديان في الخارج خطوطا عميقة غامضة . وأشارت الفتاة إلى اثار الاقدام العارية . قالت : هل عاد أصحاب هذه الاقدام حقا .

هل هم يأكلون في المطعم المنعزل ام أن في الأمر دعاية ؟

وقبل أن أجيب، رأيت الطير يعاود التحليق فوق السفوح في محاولة لإيجاد مكان له بين الاشجار .

وهمست الفتاة : اكتب انت . اني لا اجد الشجاعة. فهل تعتقد أن من السهولة أن تكتب ما في رؤوسنا ونلخص في لحظة صغيرة قبل الأعوام. ثم لماذا لا تحتفظ بافكارنا في صناديقها المغلقة . اليست هي المكان الطبيعي للأشياء العظيمة ؟

ولما لم أقل شيئا . القت القلم إلى جانب بعصبية، وخرجنا بصمت ، وكان البرد يشتد ، وكنت اهجس أن ثمة اقداما خفيفة عارية تدخل البيت ، وتجوس فيه بهدوء .


NewProject1-2.md.jpg
 

mohammed.shams

نائب الادارة
طاقم الإدارة
إنضم
31 يناير 2017
المشاركات
2,557,385
مستوى التفاعل
193,905
النقاط
2,600
شكرا للجهود المبذولة
 

الذين يشاهدون الموضوع الآن 1 ( الاعضاء: 0, الزوار: 1 )