ابو مناف البصري
المالكي
معجزة الحضارة السوريه في عيون الغرب
===================
#سوريا_التاريخ_و_الحضارة
يقول المؤرخ الإيطالي BENEDETTO CROCE
إن التاريخ كله.. عبارة عن تاريخ معاصر "فليس ثمة تاريخ يعيد نفسه، وليس هناك تاريخ لن يعود. فحكاية الإنسانية تمتد عبر خط واحد في الزمان والمكان، وتشابه الحدث التاريخي عبر الأزمنة لا يدل على أن التاريخ عاد، فالإنسان لا يسبح في نفس النهر مرتين.
وإن كانت الحضارة السورية ممتدة في الزمان إلى ما يزيد على المليون عام، فإن مقاربة المكان السوري تأخذنا في مساق التاريخ إلى ما وراءه.
وإلا ماذا يعني تأسيس حضارة قرطاج؟ وماذا يعني فتح الأندلس، وماذا يعني أيضاً أن تنتشر اللغة الآرامية حتى الشرق الأقصى.
وأيضاً، تلك الآلهة التي حملها إنساننا كي تصير أساس معابد الحضارة الرومانية، حقاً لقد صبّ نهر العاصي مياهه في نهر التيبر منذ زمن بعيد.
وإن كنا على دراية بالأقانيم الحضارية المؤسسة للحضارة الإنسانية، ابتكار الزراعة والتدجين، الثورة المدينية والعمرانية، الثورة الكتابية في اختراع الكتابة ومن ثم الأبجدية، فإن كل هذا يضعنا أمام حقائق عدة استندت إليها معالم التوازن الحضاري السوري:
فأولاً: ما ميز الشخصية السورية عبر التاريخ هو وعيها لحركة الزمن، وهذا الوعي الملهم هو الذي أدى إلى وعي المكان والبيئة المحيطة.
وهذا ما أدى إلى تكوّن تلك الشخصية وفق ناظم الانفتاح والتفاعل والتسامح الذي أدى بدوره إلى تراكم المنجز الحضاري الإنساني.
فقيم التفاؤل مثلاً، تجعل أوجاريت تهضم الكتابة المسمارية والكتابة الهيروغليفية ثم تنبثق منهما بإبداع الأبجدية.
ونفس القيم تلك، جعلت إبلا تطور الكتابة الأكادية أيضاً.
وكذلك.. تدمر التي ضمت معابدها آلهات الكون تحت جناح الإله بل السوري.
وثانياً: المدقق في خصائص الشخصية السورية، يلحظ أن ثمة هاجساً لدى السوريين يتبدّى في أنهم لا يكتفون بإبداع المنجز الحضاري، لا بل يسعون لنقله إلى المجتمعات الإنسانية، وليس أدل على ذلك من سعي " قدموس " الباحث عن أخته في أوروبا، إلى تعليم عالم المتوسط حروف الأبجدية.
وتلك التساؤلات الوجودية المهمة في أسطورة جلجامش التي لا تقف عند مسألة الموت فقط، بقدر ما تقدم معطى جديداً لحب الحياة.
وهذا ما تناولته أسطورة بعل وموت الأوجاريتية أيضاً.
ثالثاً: عبر مسيرتها، لم تألف الشخصية السورية مظاهر الانغلاق والاستعلاء، وعلى هذا نفهم مسار الحروب السورية تاريخياً والتي كانت دفاعاً عن قيم التفاعل والحوار والانفتاح. هذا ما تؤكده الحروب السورية الآرامية والسلوقية والتدمرية.
وقال أيضا الكاتب الفرنسي أندريه مالرو
إن من درس تاريخكم ( اي الحضارة السوريه )يستنتج في بعض اللحظات الحرجة أن هذا الشعب سينقرض وإذا به ينبعث بقوته الذاتية من مرحلة الهزيمة إلى مرحلة الانتصار على الهزيمة ". واليهود يعون هذه المسألة لهذا فهم يقومون بعمل تخريبي غايته طمس تراثنا ومحوه. لأنهم يدركون ما للتراث من أهمية في إعطاء دفق معنوي وحضاري وإنساني. وأعتقد أن موضوعة التراث هذه ملتصقة بنا وبتكويننا العقلي والنفسي وها أنا أعود إلى فيلسوف المعرة، أبو العلاء المعري، الذي كان ماراً في قرية سياس قرب المعرة وكان ثمة رجل ينقل بعض الآثار من بناء أثري فقال أبو العلاء:
" أتتلفها ؟ شلت يمينك، خلّها
لمعتبر أو زائر أو سائــل
منازل قوم حدثتنا حديثهم ولم
أرَ أحلى من حديث المنازل
أما المؤرخ أرنولد توينبي فقد قال :
" لقد نكبت سوريا ، بسبب انسياح الشعوب نحو 1250-950 ق.م بدرجة القسوة نفسها التي نكبت بها أسيا الصغرى و حوض البحر الايجي ، فالكارثة من حيث الدمار المادي والتبديل في التركيب السكاني لم تكن هناك أخف منها هنا .
وعلى كل فقد عادت الحياة إلى سوريا من الخراب المشترك الذي ألم بالجميع بأسرع مما حدث في تينك المنطقتين .
فقد كانت المدنية ضربت جذورا أعمق في سوريا قبل أن يصيبها انسياح الشعوب .
إن سوريا كانت حتى قبل الثوران الذي عم المشرق نحو 1250 ق.م قد بدأت تظهر قدرتها الوطنية على الخلق . فقد خطت خطواتها الأولى لاختراع حروف الهجاء .
من كتاب : حوارات في الحضارة السورية
للباحث بشار خليف
===================
#سوريا_التاريخ_و_الحضارة
يقول المؤرخ الإيطالي BENEDETTO CROCE
إن التاريخ كله.. عبارة عن تاريخ معاصر "فليس ثمة تاريخ يعيد نفسه، وليس هناك تاريخ لن يعود. فحكاية الإنسانية تمتد عبر خط واحد في الزمان والمكان، وتشابه الحدث التاريخي عبر الأزمنة لا يدل على أن التاريخ عاد، فالإنسان لا يسبح في نفس النهر مرتين.
وإن كانت الحضارة السورية ممتدة في الزمان إلى ما يزيد على المليون عام، فإن مقاربة المكان السوري تأخذنا في مساق التاريخ إلى ما وراءه.
وإلا ماذا يعني تأسيس حضارة قرطاج؟ وماذا يعني فتح الأندلس، وماذا يعني أيضاً أن تنتشر اللغة الآرامية حتى الشرق الأقصى.
وأيضاً، تلك الآلهة التي حملها إنساننا كي تصير أساس معابد الحضارة الرومانية، حقاً لقد صبّ نهر العاصي مياهه في نهر التيبر منذ زمن بعيد.
وإن كنا على دراية بالأقانيم الحضارية المؤسسة للحضارة الإنسانية، ابتكار الزراعة والتدجين، الثورة المدينية والعمرانية، الثورة الكتابية في اختراع الكتابة ومن ثم الأبجدية، فإن كل هذا يضعنا أمام حقائق عدة استندت إليها معالم التوازن الحضاري السوري:
فأولاً: ما ميز الشخصية السورية عبر التاريخ هو وعيها لحركة الزمن، وهذا الوعي الملهم هو الذي أدى إلى وعي المكان والبيئة المحيطة.
وهذا ما أدى إلى تكوّن تلك الشخصية وفق ناظم الانفتاح والتفاعل والتسامح الذي أدى بدوره إلى تراكم المنجز الحضاري الإنساني.
فقيم التفاؤل مثلاً، تجعل أوجاريت تهضم الكتابة المسمارية والكتابة الهيروغليفية ثم تنبثق منهما بإبداع الأبجدية.
ونفس القيم تلك، جعلت إبلا تطور الكتابة الأكادية أيضاً.
وكذلك.. تدمر التي ضمت معابدها آلهات الكون تحت جناح الإله بل السوري.
وثانياً: المدقق في خصائص الشخصية السورية، يلحظ أن ثمة هاجساً لدى السوريين يتبدّى في أنهم لا يكتفون بإبداع المنجز الحضاري، لا بل يسعون لنقله إلى المجتمعات الإنسانية، وليس أدل على ذلك من سعي " قدموس " الباحث عن أخته في أوروبا، إلى تعليم عالم المتوسط حروف الأبجدية.
وتلك التساؤلات الوجودية المهمة في أسطورة جلجامش التي لا تقف عند مسألة الموت فقط، بقدر ما تقدم معطى جديداً لحب الحياة.
وهذا ما تناولته أسطورة بعل وموت الأوجاريتية أيضاً.
ثالثاً: عبر مسيرتها، لم تألف الشخصية السورية مظاهر الانغلاق والاستعلاء، وعلى هذا نفهم مسار الحروب السورية تاريخياً والتي كانت دفاعاً عن قيم التفاعل والحوار والانفتاح. هذا ما تؤكده الحروب السورية الآرامية والسلوقية والتدمرية.
وقال أيضا الكاتب الفرنسي أندريه مالرو
إن من درس تاريخكم ( اي الحضارة السوريه )يستنتج في بعض اللحظات الحرجة أن هذا الشعب سينقرض وإذا به ينبعث بقوته الذاتية من مرحلة الهزيمة إلى مرحلة الانتصار على الهزيمة ". واليهود يعون هذه المسألة لهذا فهم يقومون بعمل تخريبي غايته طمس تراثنا ومحوه. لأنهم يدركون ما للتراث من أهمية في إعطاء دفق معنوي وحضاري وإنساني. وأعتقد أن موضوعة التراث هذه ملتصقة بنا وبتكويننا العقلي والنفسي وها أنا أعود إلى فيلسوف المعرة، أبو العلاء المعري، الذي كان ماراً في قرية سياس قرب المعرة وكان ثمة رجل ينقل بعض الآثار من بناء أثري فقال أبو العلاء:
" أتتلفها ؟ شلت يمينك، خلّها
لمعتبر أو زائر أو سائــل
منازل قوم حدثتنا حديثهم ولم
أرَ أحلى من حديث المنازل
أما المؤرخ أرنولد توينبي فقد قال :
" لقد نكبت سوريا ، بسبب انسياح الشعوب نحو 1250-950 ق.م بدرجة القسوة نفسها التي نكبت بها أسيا الصغرى و حوض البحر الايجي ، فالكارثة من حيث الدمار المادي والتبديل في التركيب السكاني لم تكن هناك أخف منها هنا .
وعلى كل فقد عادت الحياة إلى سوريا من الخراب المشترك الذي ألم بالجميع بأسرع مما حدث في تينك المنطقتين .
فقد كانت المدنية ضربت جذورا أعمق في سوريا قبل أن يصيبها انسياح الشعوب .
إن سوريا كانت حتى قبل الثوران الذي عم المشرق نحو 1250 ق.م قد بدأت تظهر قدرتها الوطنية على الخلق . فقد خطت خطواتها الأولى لاختراع حروف الهجاء .
من كتاب : حوارات في الحضارة السورية
للباحث بشار خليف