هل أحلامنا مستحيلة يا وطني ؟
أن تترعرع على أرض وطنك معناه أن تعيش حالة من الهيام العجيب لكل ذرة تراب فيه ، وأن تعشق كل نسمة هواء منه ،ويفتنك كل منظر للجمال فيه فتنظر إليه بعين المحب ، وتهمس له بقلب العاشق ، وتغني له بإحساس الفنان .
وإن تجتاحك عواصف الحنين كلما بعدت عنه، وأن تصبح فدائياً ثائرًا أن شعرت بالخوف عليه.
وطن تشاطره روحك فتكتب حروفه على قلبك ، ويسري في دمك فترسم أحلامك على جدرانه ، وينصهر داخل جسدك فتنظر إلى الحياة في سمائه .
فماذا تُريد له ؟
تُريده شامخاً بالعزة ، مترفاً بالخير ، مزهواً بالتقدم .
تُريد لها أحلاماً جميلة ، مدفوعة بهمم عالية ، تقودها عقول راقية .
تُريد – له أحلاماً – بصحة تحترم إنسانية ، وتشعر بألمه ، وتسمع وجعه.
فلا تتركه يلهث في طابور طويل ،ثم تسلمه إلى طبيب مقطب الجبين ، لا ينظر إليه ، وممرضة أجنبية تشمئز منه ، وصيدلي لا مبالي يصرف له دواء يضاعف مرضه .
وموظف فارغ يكتب له موعداً قد يحين أجله ، ولم يأت دوره .
تُريد – أحلامنا – تعليماً يرتقي بفكر طلابه ، ومعلماً يبني شخصيته ، ومناهج تواكب تطلعاته ، ومبان تلبي احتياجاته .
لا تُريد تعليماً عفا عليه الدهر ، بمناهج متخلفة ، ومباني مستأجره ، ومخرجات هزيلة .
لا تُريد تعليماً يهتم بالقشور ، ويترك اللب ، تعليم يساوي بين المجد والمهمل ، والمؤدب، وفض الخلق.
تُريد -أحلامنا – توفير فرص وظيفية لشبابنا تفجر طاقاتهم ، وتبني مستقبلهم ، تكفل لهم الحياة الكريمة ، وتغنيهم عن الحاجة ، وتحميهم من خطر انحراف يتربص فيهم ، أو مستقبل مجهول ينتظرهم .
فلا يذلهم فقر ، ولا يقرهم نفوذ، ولا تغرهم التوافه ،
، ولا يحبطهم شعور العاجز ،ويذلهم غطرسة المعطي.
فالإحساس بالمنة مؤلم ، والألم مع الذل قهر ، والقهر مع الفقر موت على قيد الحياة .
فكم من شاب مات وهو في ريعان الحياة! ، وكم أحلام وأدت ولم تولد !، وكم من آمال دفنت وهي تنبض!.
أليس من المؤلم أن يعيش أكثر من مليون شاب على أعانه للعاطلين ؟، ويستبعد مليون آخر لعدم الأهلية .ويستبعد ( 600) ألف بسب انتهاء المدة المقررة للإعانة .
الوظيفة حق مشروع للجميع ، على اختلاف مؤهلاتهم العلمية ، ومستوياتهم الاجتماعية ، ومهاراتهم المختلفة.
فمن حرمهم هذا الحق ؟، وأجبرهم على هذا المصير ، وسلبهم الكثير، ورمى لهم بالفتات .
تريد- أحلامنا – قيادات حكيمة ،لها رؤية واضحة ، ومبادئ ثابتة ، ، ثاقبة الفكر ، راسخة النهج .
وضعت الوطن في المقدمة ، والمصالح الشخصية في المؤخرة ، فلم تحاب أقارب ، ولم تزيف حقائق ، ولم تنشر مفاسد.
فتحت أبوابها فدخل المحتاج ، وفتحت قلبها فشعرت بالضعيف ، وفتحت إدارتها فأنصفت المظلوم ،وفتحت وزارتها فدخل الوطن ،واختفت كل المصالح .
تُريد -أحلامنا - قلب يحتضن همها ، و يداً تصافح عوزها ، وعيناً تبكي لمرضها ، و فكراً يرتقي بعقلها .
لا ترُيد قلباً لا يرحمها ، ولا يداً تبطش بها ، ولابيروقراطية تمتهن كرامتها.
تُريد – أحلامنا – شوارع فسيحةً تنطلق منها أمالنا ،وطرق واسعةً تبدأ معها تطلعاتنا،
وليس شوارع ضيقة تكتم لأنفاس ،وحفر تزيد التوتر ، وتستنفذ الوقت .
تُريد- أحلامنا – حدائق مخضرة يدفن فيها التعب ، وزهور ملونه تبهج برؤيتها الحياة ، وتطيب بشدها الأوقات .
نُريد حدائق وليست خرائب ،تشكوا الإهمال ، وتقص بالأوساخ ، بألعاب متهالكة ، وأعشاب ميتة .
تُريد -أحلامنا – إعلام نقي، لا يغالط الحقائق ، ولا يلمع المفاسد ، ولا ينشر الأكاذيب ، ولا يروج الإشاعات .
نُريد صحافة نزيهة لا تفتح صفحاتها بأخبار لتملق للكاذبين ،ولا تتوسطها بقصائد المديح للمقصرين ، وتختتمها بمقالات التجميد للمفسدين .
نُريد دوائر حكومية ، يحترم فيها المراجع ، ويقدر وقته ، وتسهل أموره ، ويشعر بكرامته.
لا نريد دوائر تغص بالمراجعين ، يهدر فيها الوقت ، وتعقد فيها الأمور ، وتمتهن فيها الإنسانية .
هذه مجمل أحلامنا – يا وطني – فهل هي مستحيلة ؟
ضوء شارد :
السرُّ في مأساتنا
صراخنا أضخمُ من أصواتنا
وسيفُنا أطولُ من قاماتنا
خلاصةُ القضيّهْ
توجزُ في عبارهْ
لقد لبسنا قشرةَ الحضارهْ
والروحُ جاهليّهْ…
