ابو مناف البصري
المالكي
*هل يجوز أكل ذبائح أهل الكتاب أم لا؟*
السؤال : سألني شخص وهّابي *عن دليلنا من القرآن حول عدم حلية الأكل من يد الكتابي ، وهنا أعني اللحوم طبعاً* ....
ما هي الآية التي تثبت صحة ما ذهب إليه فقهائنا الكرام؟
الجواب : من سماحة السيّد علي الحائري
يؤكد القرآن الكريم في سورة الأنعام (الآيات: ۱۱۷ ـ ۱۱۸ ـ ۱۲۱) *على ضرورة التفريق بين (ما ذكر اسم اللّه) ، و(ما لم يذكر اسم اللّه عليه)* أيّ بين المذكّى والميتة ، فيقول بالنسبة إلى المذكّى : { فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ... } {الأنعام/۱۱۸}.
ويقول أيضاً : { وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ } {الأنعام/۱۱۹}.
*ويقول بالنسبة إلى الميتة :* { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } {الأنعام/۱۲۱}.
*إذاً : فالآية الأخيرة تنهى عن الأكل من اللحوم التي لم يذكر اسم اللّه عليها حين الذبح* ، ومن الواضح أنّ الذبائح التي يذبحها الكفّار *ـ سواء الكتابيون وغيرهم ـ* هي غير مذكّاة تذكية إسلامية عادةً ، *ولم يذكر اسم اللّه عليها ،* فتدخل تحت عموم الآية الشريفة ، *ويكون أكلها فسقاً بموجب الآية.*
وهناك نصوص كثيرة من *السنّة الشريفة أيضاً تدلّ على عدم حلّيّة ذبيحة الكافر سواء الكتابي وغيره* ، وقد ذكرها فقهائنا الكرام في كتبهم الفقهية الاستدلالية ، فعليكم مراجعتها ، *والأخذ منها ـ وعلى سبيل المثال ـ* كتاب (جواهر الكلام) الجزء المختص بـ (الصيد والذباحة) ، وعلى ضوئها *أفتى فقهائنا الكرام بحرمة ذبيحة الكافر مطلقاً حتّى الكتابي نظراً إلى أنّه يشترط في الذابح أن يكون مُسلماً*، كما يُشترط أيضاً في الذبح التسمية ، وذكر اسم اللّه على الذبيحة .
وأمّا قوله تعالى في سورة {المائدة/٥} { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ ... } *فهو لا يتنافى أبداً مع الآية الشريفة التي ذكرناها أعلاه ،* ولا يكون ناسخاً لقوله تعالى : { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } {الأنعام/۱۲۱}. بالرغم من ورود هذا النسخ في (سنن أبي داود) و (سنن البيهقي) مروياً عن ابن عبّاس ـ كما في (الدر المنثور) ، وذلك :
أوّلاً : *لأنّ كلمة (الطعام) بحسب اصل اللغة معناها كلّ مايقتات به ويُطعم* ، لكن قيل إنّ المراد بها في *الآية الشريفة (البُرّ) أيّ الحنطة و(سائر الحبوب)* ، ولذا ورد عندنا في أكثر الروايات المروية عن أئمة أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) : أنّ المراد بقوله: { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ } *هو (البُرّ) وسائر الحبوب ، ومن الواضح أنّه لا تنافي حينئذٍ بين حرمة ذبائحهم وحلّيّة الحبوب والموادّ الغذائية الأخرى المأخوذة أو المشتراة منهم* ؛ فإنّ اللحوم بالخصوص لها خصوصيات وأحكام معينة في الشريعة ، *ولذا ذهب المعظم من علمائنا إلى حصر الحلّ في الحبوب وأشباهها والموادّ الغذائية*.
وثانياً : حتّى لو أريد من كلمة الطعام في قوله : { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ } اللحوم ؛ فإنّه مع ذلك لا إشكال في أنّ هذه الحلّيّة المنصوصة عليها في *هذه الآية لا تشمل اللحوم التي غير قابلة للتذكية من لحوم أهل الكتاب كلحم الخنزير ، وكذلك لا تشمل اللحوم التي هي قابلة للتذكية في الأصل لكنهم ـ أيّ أهل الكتاب ـ* لم يذكوها تذكية إسلامية ، وما أهلّ به لغير اللّه ، وما لم يذكر اسم اللّه ؛ *فإنّ اللّه سبحانه وتعالى عَدَّ ذلك رجساً وفسقاً وإثماً* ، وحاشاه أن يحلّ ما سمّاه رجساً أوفسقاً او إثماً ، هذا *بالإضافة إلى أن هذه المحرّمات بعينها واقعة قبيل هذه الآية في نفس سورة المائدة وليس لأحد أن يقول في مثل هذا المورد بالنسخ كما هو واضح* ، وخاصة في مثل سورة المائدة التي ورد فيها أنّها ناسخة غير منسوخة.
إذاً : فلا هذه الآية ولا أيّ *دليل آخر يوحد فقهياً يدلّ على حلّيّة ذبائح أهل الكتاب واللحوم المأخوذة منهم إذا ذبحت بغير التذكية الإسلامية* .
فإن قلنا بحلّيّة ذبائحهم للآية الشريفة كما نقل عن بعض أصحابنا *فلابدّ من تقييدها بما إذا علم وقوع الذبح عن تذكية شرعية* كما قد يظهر من بعض رواياتنا كالخبر المرويّ عن الإمام الصادق (سلام اللّه عليه) : « *فإنّما هي الإسم ولا يُؤمَن عليها إلّا مسلم »* .
وعلى كل حال فالكلام في هذه المسألة من الناحية القرآنية والتفسيرية ومن الناحية الحديثية والروائية ومن الناحية الفقهية كلام طويل لا يسعنا الالمام بكلّ نكاته في هذه العجالة ، *لكن فيما قلناه اجمالاً الكفاية* بإذن اللّه تعالى ، واللّه العالم.
السؤال : سألني شخص وهّابي *عن دليلنا من القرآن حول عدم حلية الأكل من يد الكتابي ، وهنا أعني اللحوم طبعاً* ....
ما هي الآية التي تثبت صحة ما ذهب إليه فقهائنا الكرام؟
الجواب : من سماحة السيّد علي الحائري
يؤكد القرآن الكريم في سورة الأنعام (الآيات: ۱۱۷ ـ ۱۱۸ ـ ۱۲۱) *على ضرورة التفريق بين (ما ذكر اسم اللّه) ، و(ما لم يذكر اسم اللّه عليه)* أيّ بين المذكّى والميتة ، فيقول بالنسبة إلى المذكّى : { فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ... } {الأنعام/۱۱۸}.
ويقول أيضاً : { وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ } {الأنعام/۱۱۹}.
*ويقول بالنسبة إلى الميتة :* { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } {الأنعام/۱۲۱}.
*إذاً : فالآية الأخيرة تنهى عن الأكل من اللحوم التي لم يذكر اسم اللّه عليها حين الذبح* ، ومن الواضح أنّ الذبائح التي يذبحها الكفّار *ـ سواء الكتابيون وغيرهم ـ* هي غير مذكّاة تذكية إسلامية عادةً ، *ولم يذكر اسم اللّه عليها ،* فتدخل تحت عموم الآية الشريفة ، *ويكون أكلها فسقاً بموجب الآية.*
وهناك نصوص كثيرة من *السنّة الشريفة أيضاً تدلّ على عدم حلّيّة ذبيحة الكافر سواء الكتابي وغيره* ، وقد ذكرها فقهائنا الكرام في كتبهم الفقهية الاستدلالية ، فعليكم مراجعتها ، *والأخذ منها ـ وعلى سبيل المثال ـ* كتاب (جواهر الكلام) الجزء المختص بـ (الصيد والذباحة) ، وعلى ضوئها *أفتى فقهائنا الكرام بحرمة ذبيحة الكافر مطلقاً حتّى الكتابي نظراً إلى أنّه يشترط في الذابح أن يكون مُسلماً*، كما يُشترط أيضاً في الذبح التسمية ، وذكر اسم اللّه على الذبيحة .
وأمّا قوله تعالى في سورة {المائدة/٥} { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ ... } *فهو لا يتنافى أبداً مع الآية الشريفة التي ذكرناها أعلاه ،* ولا يكون ناسخاً لقوله تعالى : { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } {الأنعام/۱۲۱}. بالرغم من ورود هذا النسخ في (سنن أبي داود) و (سنن البيهقي) مروياً عن ابن عبّاس ـ كما في (الدر المنثور) ، وذلك :
أوّلاً : *لأنّ كلمة (الطعام) بحسب اصل اللغة معناها كلّ مايقتات به ويُطعم* ، لكن قيل إنّ المراد بها في *الآية الشريفة (البُرّ) أيّ الحنطة و(سائر الحبوب)* ، ولذا ورد عندنا في أكثر الروايات المروية عن أئمة أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) : أنّ المراد بقوله: { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ } *هو (البُرّ) وسائر الحبوب ، ومن الواضح أنّه لا تنافي حينئذٍ بين حرمة ذبائحهم وحلّيّة الحبوب والموادّ الغذائية الأخرى المأخوذة أو المشتراة منهم* ؛ فإنّ اللحوم بالخصوص لها خصوصيات وأحكام معينة في الشريعة ، *ولذا ذهب المعظم من علمائنا إلى حصر الحلّ في الحبوب وأشباهها والموادّ الغذائية*.
وثانياً : حتّى لو أريد من كلمة الطعام في قوله : { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ } اللحوم ؛ فإنّه مع ذلك لا إشكال في أنّ هذه الحلّيّة المنصوصة عليها في *هذه الآية لا تشمل اللحوم التي غير قابلة للتذكية من لحوم أهل الكتاب كلحم الخنزير ، وكذلك لا تشمل اللحوم التي هي قابلة للتذكية في الأصل لكنهم ـ أيّ أهل الكتاب ـ* لم يذكوها تذكية إسلامية ، وما أهلّ به لغير اللّه ، وما لم يذكر اسم اللّه ؛ *فإنّ اللّه سبحانه وتعالى عَدَّ ذلك رجساً وفسقاً وإثماً* ، وحاشاه أن يحلّ ما سمّاه رجساً أوفسقاً او إثماً ، هذا *بالإضافة إلى أن هذه المحرّمات بعينها واقعة قبيل هذه الآية في نفس سورة المائدة وليس لأحد أن يقول في مثل هذا المورد بالنسخ كما هو واضح* ، وخاصة في مثل سورة المائدة التي ورد فيها أنّها ناسخة غير منسوخة.
إذاً : فلا هذه الآية ولا أيّ *دليل آخر يوحد فقهياً يدلّ على حلّيّة ذبائح أهل الكتاب واللحوم المأخوذة منهم إذا ذبحت بغير التذكية الإسلامية* .
فإن قلنا بحلّيّة ذبائحهم للآية الشريفة كما نقل عن بعض أصحابنا *فلابدّ من تقييدها بما إذا علم وقوع الذبح عن تذكية شرعية* كما قد يظهر من بعض رواياتنا كالخبر المرويّ عن الإمام الصادق (سلام اللّه عليه) : « *فإنّما هي الإسم ولا يُؤمَن عليها إلّا مسلم »* .
وعلى كل حال فالكلام في هذه المسألة من الناحية القرآنية والتفسيرية ومن الناحية الحديثية والروائية ومن الناحية الفقهية كلام طويل لا يسعنا الالمام بكلّ نكاته في هذه العجالة ، *لكن فيما قلناه اجمالاً الكفاية* بإذن اللّه تعالى ، واللّه العالم.