أداة تخصيص استايل المنتدى
إعادة التخصيصات التي تمت بهذا الستايل

- الاعلانات تختفي تماما عند تسجيلك
- عضــو و لديـك مشكلـة فـي الدخول ؟ يــرجى تسجيل عضويه جديده و مراسلـة المديــر
او كتابــة مــوضـــوع فــي قســم الشكـاوي او مـراسلــة صفحتنـا على الفيس بــوك

العالم الذي كان بجيبي ..حكايا المخيم

الجوري^

الjo هسيس بين يقظة وغيم
طاقم الإدارة
وسام المحاور فذ
إنضم
26 يونيو 2023
المشاركات
118,771
مستوى التفاعل
119,677
النقاط
2,508

الجوري^

الjo هسيس بين يقظة وغيم
طاقم الإدارة
وسام المحاور فذ
إنضم
26 يونيو 2023
المشاركات
118,771
مستوى التفاعل
119,677
النقاط
2,508
في الصباح، حين عبرتُ زقاق المخيم، كنتُ أبحث عن ظلّي. لكنه لم يكن هناك. كان ثقيلاً مثل حديدٍ صدئ، ممدداً فوق الإسفلت، بينما الأطفال يركضون فوقه دون أن يلتفتوا.

في الزاوية، عند المقهى الذي لم يكن مقهى تمامًا بضع مقاعد ومناضد لا تتجاوز السته تلك الصغيرة التي تتطوى جلس "أبو حسن" كما اعتاد دائمًا، يطوي جريدته دون أن يقرأها. ألقى نظرةً عليّ ثم بصق على الأرض. لم أكن أعرف إن كان ذلك تحيةً أو احتجاجًا.أظن أنه كان يطبق المثل القائل (ما كبرك يا خبيزة الا بصاق الكلاب)صدقا انا لا اعلم أكان يراني كالخبيزة .

قلت له: "كيف الحال، يا عمّي؟" ليس محبة أو إحتراما لكن أمي تعبت حتى رأتني كبيرا ولا أريد أن أخيب أملها لأجل باصق .

نظر إليّ نظرةً طويلة، كأنه يقيس حجم الخسارات التي تسللت إلى وجهي. ثم تمتم: "الحال؟ الحال مثل قميصي هذا، فيه جيب فارغ وآخر مثقوب".

ضحكتُ، لكنه لم يضحك. كنت أعرف أن القمصان في المخيم ليست مجرد أقمشة، بل بيانات سياسية.

واصلتُ طريقي. في زاوية أخرى، كان هناك طفل يرسم على الحائط خريطة. لم تكن تشبه الخرائط التي في الكتب، كانت مليئة بالتجاعيد، بحدودٍ مشوهة كأنها وجوه العائدين في أحلامنا. سألته: "ماذا ترسم؟"

أجابني دون أن يرفع رأسه: "بيتنا".

كان يقصد بيتًا لم يره أبدًا، بيتًا لم يكن سوى خطوط على إسمنتٍ بارد، لكني رأيته في عينيه... كان هناك، حيًّا، يتنفس، وله شرفات تطل على البحر،لم يكن وهمًا لم يكن حلمًا بل كان حقيقيًا جدًا .

مشيتُ أكثر، ورأيت ظلّي أخيرًا. لكنه لم يكن لي وحدي. كان طويلاً، واسعًا، يشبه ظلّ البلاد التي حملناها في جيوبنا المثقوبة.


في المساء، عاد المخيم ليشبه نفسه، يغلق نوافذه على أسراره الصغيرة، ويفتح صدره للظلام كأنه صديق قديم. جلستُ عند عتبة البيت، أراقب الشارع الضيق وهو يبتلع الأقدام المتعبة. كانت أمي في الداخل، تطهو العدس، رائحة البهارات تمتزج برائحة الرطوبة والعتمة.

سمعت صوت "أبو حسن" من بعيد، كان يتحدث إلى نفسه، أو إلى جدار، أو ربما إلى ماضٍ لم يعد أحد يسمعه. قال: "في الحرب، تخسر كل شيء، حتى قدرتك على أن تخسر من جديد".

كنت أعرف أنه يتحدث عن ابنه، ذاك الذي ذهب ولم يعد، لم يكن شهيدًا، لم يكن أسيرًا، لم يكن شيئًا يمكن أن يُحكى في الأخبار، كان مجرد غياب ثقيل، مجهول مبهم ،كأن المخيم فقد ضلعًا من أضلعه ولم يعترف بذلك.

أشعلت سيجارة. كانت الريح تعبث بدخانها، كما تعبث بكل شيء هنا. فكرت في الطفل الذي كان يرسم الخريطة صباحًا. تُرى، هل أكملها؟ أم أن أحدهم أخبره، بطريقة ما، أن البيوت التي تُرسم على الجدران لا تصبح حقيقية؟نهرت نفسي فهو يعيش على قيد أمل كما أنا كما الجميع فكيف يحرمه أحد هذا القيد لقد سجل بدائرة النفوس بإسمه.

جاء صوت أمي من الداخل: "ادخل، العشاء جاهز".

نهضت ببطء. أطفأت السيجارة،كانت بمنتصف الطريق فأعدتها الى العلبة في وضعنا الحالي لا نعلم متى نقدر أن نشتري أخرى، راقبت ظلّي للمرة الأخيرة قبل أن أخطو إلى الداخل، كان هناك، صامتًا، ممددًا على الأرض، ينتظرني كما تنتظر البلاد أبناءها العائدين... الذين لا يعودون أبدًا.


أغلقتُ الباب خلفي، فصار الظلّ في الخارج، وبقيتُ وحدي مع المصباح المعلق في السقف. كانت أمي تضع الصحون على الطاولة الصغيرة، بحركات رتيبة تشبه الزمن هنا؛ زمن لا يتقدم ولا يتأخر، فقط يدور حول نفسه كما يدور الناس في أزقة المخيم بحثًا عن شيء لم يُفقد بعد.

جلستُ أمام صحن العدس، أمي لا تقول الكثير أثناء الطعام، كأنها تخشى أن يضيع الكلام وسط المضغ، أو ربما لأنها تعرف أن الكلمات هنا تُقال في الجدران، في الشوارع، في نظرات العابرين، لكنها لا تُقال حول المائدة،كان لها قانون خاص لا تسمح بتجاوزه هو من الأشياء القليلة التي سمح لها أن تتخذ بها قرارًا.

بعد العشاء، جمعت الصحون، لكنها أبقت صحناً ممتلئًا على الطاولة. نظرتُ إليها مستفسرًا، فأجابتني دون أن ترفع رأسها:

— "لعلّ أحدًا يأتي".

كان هذا "الأحد" اسمًا مستعارًا للكثيرين: لأخي الذي لم يعد منذ سبع سنوات، لجارنا الذي اختفى في الطريق إلى العمل، لذاك الشاب الذي قالوا إنه اجتاز الحدود ولن يعود. أمي كانت تؤمن أن العالم يمتلئ بالطرق التي تؤدي إلى العودة، لكنها فقط لم تجدها بعد،كانت لديها يقين لا أعلم كيف يأتي اليها لكنه يأتي .

خرجتُ إلى الشارع مجددًا، والليل هناك كان أثقل مما توقعت. رأيتُ الطفل الذي كان يرسم في الصباح، كان يجلس تحت عمود الكهرباء، يراقب خريطته بحزن. اقتربتُ منه، جلستُ إلى جواره، وسألته:

"أكملتها؟"

لم يرد، لكنه أشار بإصبعه إلى خطٍ رفيع يتعرج بين الأشكال.

"هذا الطريق"، قال بصوت خافت.

همست "إلى أين يأخذنا؟"

"إلى البحر".

نظرتُ إليه طويلًا. كان وجهه مليئًا بالملح، ربما من دموع لم يمسحها أحد. البحر؟ لم يكن البحر هنا، لم يكن قريبًا، لكنه كان في رأسه، في يديه، في هذه الخريطة التي لن يراها أحد سواه.

مسحتُ على رأسه، ثم نهضتُ ومشيت. كنت أعلم أنني إن نظرتُ خلفي، سأرى ظلي هناك، ملتصقًا بالأرض، ممتدًا كطريق لا ينتهي.

لكني لم أنظر.

لم أنظر خلفي، لكني شعرتُ بالظل يتبعني، بخفةٍ غريبة، كأنه لم يعد لي وحدي. ربما صار جزءًا من هذا المخيم، من هؤلاء الذين يمشون على أرصفته المتشققة، من الأبواب التي لا تُغلق جيدًا، ومن الأمهات اللواتي يتركن صحونًا ممتلئة لعلّ أحدًا يعود.

واصلتُ السير حتى وصلتُ إلى آخر الزقاق، حيث تبدأ المدينة الحقيقية، تلك التي لا تشبهنا. وقفتُ هناك، رأيت السيارات تمرّ، والناس يعبرون بأحذيتهم اللامعة، بوجوههم التي لا تحمل الغبار نفسه. فكرتُ، لوهلة، أن أمشي بينهم، أن أترك المخيم خلفي، أن أصبح شخصًا آخر، بلا ظلّ ثقيل، بلا خريطة معلّقة في رأس طفل صغير.

لكنني.... لم أفعل.

عدتُ أدراجي ببطء، كمن يكتشف طريقه لأول مرة. عند المقهى، كان "أبو حسن" لا يزال هناك، يطوي جريدته كما لو أنه قرأها ألف مرة. رفع رأسه حين رآني، ثم قال بصوت خافت، لكنه كان واضحًا تمامًا:

— "لا أحد يترك شيئًا وراءه، كل شيء يعود معه".

لم أردّ، فقط ابتسمتُ له ابتسامة لم أعرف إن كانت حزينة أم ساخرة. تابعتُ طريقي حتى وصلتُ إلى البيت، فتحتُ الباب، فوجدت أمي لا تزال عند الطاولة، تنظر إلى الصحن الممتلئ.

قلتُ لها: "لن يأتي أحد، يمّا".

لم تقل شيئًا. فقط أخذت الملعقة، وبدأت تأكل ببطء، كأنها تأكل الغياب نفسه كل ملعقة كانت تدخل جوفها كانت بغصة الغياب وألم الفقد لم تذرف دمعة فقط أكملت.

في الخارج، كان الطفل لا يزال يرسم، لكن هذه المرة، لم يكن يرسم بيتًا، ولا طريقًا. كان يرسم قاربًا صغيرًا، وسط بحر واسع، كأنه يفكر بالذهاب إلى حيث لا يعود أحد، أو حيث تعود الأشياء التي فقدناها.

وأنا، وقفتُ هناك، عند العتبة، أنظر إليه. ثم أغلقتُ الباب
وانا أتمتم" لا أحد يترك شيئا وراءه،كل شيئ يعود معه ". بقلمي ....
 

ااالٌبابُليً ودً

🎋 نبض الهدوء 🎋
طاقم الإدارة
إنضم
6 يوليو 2015
المشاركات
92,361
مستوى التفاعل
99,891
النقاط
437
العمر
113
الإقامة
بـــ❤️ـــداد ⛈️
الموقع الالكتروني
web.facebook.com
من اين ابدأ ايتها الجوري

ارى حتى مكان البصاق قد اختفى
احترقت الخريطه واختفى الطقل مع الرماد في ركام اصبح ماض من اللحظه
العمود الذي استند عليه الطفل صار مصهورا

نثر العدس في الارجاء
وتطاير جسد ابا حسن
لم يعد هناك شئ
لا ارض ولا اجساد
ابتلعها الثعبان بنيران الحقد
اذابها بعنجهية وبلا رحمة
لاضمير بقى
ولاعروش تنادي
ولا جلالات تتبختر
يتخيلون انفسهم ملوكا . وهم اذلاء
بسببهم
اختفى الزيتون
وتحطم المعول
انها مقبرة بلا قبولا
فاصحابها نثرت اجسادهم مع التراب
بقى الاسم يافلسطين ولن يموت
سحقا الف مرة


@الجوري^
يااخت الود : مع المواجع هيجتي المواجع في ليلة لاتنسى
نرى ب أم اعيننا ونحن مكتوفي الايدي بسجننا الكبير



لله درك اختاااااه
 

madness man

:: يارب ان تستريح خطانا ::
طاقم الإدارة
إنضم
20 مارس 2014
المشاركات
87,761
مستوى التفاعل
75,261
النقاط
210
الإقامة
baghdad
يا لهذا الوجع
امتزجت الافكار وانا اشاهد هذه الكلمات
تارة كنت أبا حسن
وتارة اخرى كنتُ ذلك الطفل
واحيانا اخرى كنت ذلك الغائب الذي لم يأتي ليتناول العدس
مررت بكل هذا وليت الامر لم ينتهي
يخيل لي أني رأيت ذلك الظل قد هرب لمخيم اخر
كان يأبئ أن يموت كما تموت أعقاب السجائر بين شفاة رجلاً سجين
لكن على حين غرة تمزق هو الاخر بنيران الرحيل
الرحيل الذي لاعودة منه


الجوري
حقاً لاادري مااكتب
ولاادري كيف ضاعت مني الكلمات هنا
وربما سااعود مرة اخرى بعد أن استفيق مما قرأت
 

سامح

متهور حد السراب..
إنضم
28 ديسمبر 2020
المشاركات
25,144
مستوى التفاعل
42,140
النقاط
125
الإقامة
في قلبها
احسنت يا استاذة الحرف
دوما انت متألقة هكذا
رغم اني قرات سريعا وسوف اعود لقراءتها مجددا
لكن الى ذلك الحين شكر وامتنان لك
فعلا فخورين بك 🌺
 

الذين يشاهدون الموضوع الآن 3 ( الاعضاء: 0, الزوار: 3 )