- إنضم
- 26 يونيو 2023
- المشاركات
- 133,055
- مستوى التفاعل
- 126,249
- النقاط
- 5,508
يُقال إنّ بعض الأثواب لا تُخاط بالإبرة، بل باللعنة.
في سردابٍ يبتلع الليل منذ قرون، كانت تُسمع الهمهمات عند الثانية عشرة تمامًا.
طرقاتٌ مكتومة، وأنفاسٌ تتردّد كأنّ في باطن الأرض قلبًا لم يمت بعد.
وحين يشتدّ الليل سوادًا، تشرق شمسٌ صغيرة من بين الأشجار المحيطة بذلك البيت، تضيء جدرانه فقط، كأنها خُلقت له.
يتنفّس البيت ويمتدّ كما الأذرع، كأنّه يريد شيئًا إليها.
لا أحد يسكنه، ولا أحد يجرؤ على الاقتراب… فنهاره ليل، وليله نهار

في المقهى المهجور أسفل المدينة، كانت هي تطرق الملعقة على فنجانها السابع.
لم تعد القهوة شرابًا، بل نافذةً مظلمة ترى من خلالها ذاتها المفقودة.
منذ انفصل ظلّها عنها، صارت غريبةً عن الضوء،
تنام نهارًا وتستيقظ ليلًا، تخاف النهار كأنّه سيف، وتأنس للعتمة كأنها وطن
طرقة… اثنتان… تنهيدة.
اهتزّ الفنجان، تماوجت القهوة، ثم خرجت من ذاتها كروحٍ تستعيد شكلها الأول، التفّت حولها وسحبتها إلى داخله.
عاد الفنجان صافيًا، دون أثرٍ للاضطراب.

فتحت عينيها لتجد نفسها أمام مرآةٍ عظيمة تحيط بها آلاف الأثواب، وأحذية أكثر من حكايات النساء.
كلّ فستانٍ أمامه فتاة، وكل فتاةٍ ظلّ حبيس في زجاجٍ بارد.
مدّت أصابعها إلى المرآة… فاهتزّ العالم.
خرجت الأثواب والفتيات والزينة من انعكاسها، التفّت حولها كدوّامةٍ من الضوء والعطر.
همست إحداهنّ بصوتٍ رقيقٍ يشبه رنين الخواتم:
"الليلة ستزول اللعنة، يا من بلا ظلّ."
خفضت بصرها، فرأت أقدامًا ببنطالٍ خمريٍّ بلا جسد،
تواجهها من داخل المرآة بصمتٍ غامض.
تطايرت الأثواب في الهواء، امتزجت خيوطها لتخلق ثوبًا بين لون الخمر والنبيذ.



أيدٍ من اللاشيء بدأت تعزف على خصلات شعرها نوتةً ضائعة،
تحوّلت النوتة إلى أوركسترا مهيبة،
فمٌ خمريٌّ ارتسم في المرآة، وعيناها تزيّنتا كأنّهما ليلتا عيد.
يدٌ ترتّب، وأخرى تُعطّر، وعباءةٌ أُلقيت على كتفيها،


ونجومٌ صغيرةٌ أخذت تدور حولها في صمتٍ
خاشع.





خطت خطوةً واحدة، مسلوبة الإرادة،
الهمس يحيط بها من كلّ جانب كأنّ الجدران تغني لها.
مدّت اليد من عمق المرآة، أمسكت بها وسحبتها إلى الداخل.
سقوطٌ أم ولادة؟ لم تعرف.
وحين فتحت عينيها من جديد، وجدت نفسها في قصرٍ عظيمٍ لا يُصدَّق.
جدرانه تنبض، سقفه من ضوءٍ خمريّ، وأرضه تعكس المجرّات.
في المنتصف، أوركسترا تعزف لحنًا لم يُكتب بعد، آلاتها مصنوعة من أجزاء الأحلام التي ضاعت في ليالٍ كثيرة.
اليد التي سحبتها من المرآة ما زالت تمسك بها، تقودها بخفّةٍ نحو مركز القاعة.
كلّ العيون التي لا تُرى تراقبها،
والهواء مشبعٌ بالنبيذ والعطر والإنتظار ،
توقّفت في منتصف الضوء،
فانشقَّ الفضاء عن فستانٍ يُخاط من العدم أمام أعين الجميع.
خيوط القمر والنبيذ تتعانق حولها، تلتفّ على جسدها كما يلتفّ وعدٌ قديم حول كلمةٍ نُسيت.
تحوّل العزف إلى عاصفةٍ من الجلال،
والنجوم المعلّقة بدأت تدور حولها كما لو كانت تدور حول شمسٍ وُلدت للتوّ.
تفتّحت الورود الخمرية على ذيل الفستان،
والقماش أخذ ينبض بحرارةٍ تشبه دقّ القلب حين يلتقي بالمصير.
رفعت رأسها،
ورأت في المرايا المحيطة انعكاساتٍ كثيرةً لها،
كلُّ انعكاسٍ وجهٌ من وجوهها القديمة — الطفلة، الغريبة، الحالمة، المذنبة، والعاشقة.
كلّها انحنت أمامها، كما تنحني الذكريات حين يولد الضوء من رحم الظلّ.
تقدّمت بخطواتٍ واثقة نحو العرش الخمريّ،
العرش الذي كان ينتظرها منذ أول ليلةٍ تخلّى عنها ظلّها.
جلست عليه في صمتٍ يشبه النبوءة،
فانطفأت الموسيقى، وارتجفت الجدران كأنها تشهد على ميلاد فجرٍ جديد.

همس صوتٌ من الحضور، لا يُعرف من أين خرج:
> "لقد عادت المنشودة… اكتمل الفجر في فستانها."
ابتسمت،
وشعرت أن الفستان لم يُخَطّ ليُرتدى،
بل خُلِق ليُحرِّر.
ومنذ تلك الليلة، لم يعد الليل أسودَ في المملكة، بل خمريًّا باسمها.

في سردابٍ يبتلع الليل منذ قرون، كانت تُسمع الهمهمات عند الثانية عشرة تمامًا.
طرقاتٌ مكتومة، وأنفاسٌ تتردّد كأنّ في باطن الأرض قلبًا لم يمت بعد.
وحين يشتدّ الليل سوادًا، تشرق شمسٌ صغيرة من بين الأشجار المحيطة بذلك البيت، تضيء جدرانه فقط، كأنها خُلقت له.
يتنفّس البيت ويمتدّ كما الأذرع، كأنّه يريد شيئًا إليها.
لا أحد يسكنه، ولا أحد يجرؤ على الاقتراب… فنهاره ليل، وليله نهار

في المقهى المهجور أسفل المدينة، كانت هي تطرق الملعقة على فنجانها السابع.
لم تعد القهوة شرابًا، بل نافذةً مظلمة ترى من خلالها ذاتها المفقودة.
منذ انفصل ظلّها عنها، صارت غريبةً عن الضوء،
تنام نهارًا وتستيقظ ليلًا، تخاف النهار كأنّه سيف، وتأنس للعتمة كأنها وطن

طرقة… اثنتان… تنهيدة.
اهتزّ الفنجان، تماوجت القهوة، ثم خرجت من ذاتها كروحٍ تستعيد شكلها الأول، التفّت حولها وسحبتها إلى داخله.
عاد الفنجان صافيًا، دون أثرٍ للاضطراب.

فتحت عينيها لتجد نفسها أمام مرآةٍ عظيمة تحيط بها آلاف الأثواب، وأحذية أكثر من حكايات النساء.
كلّ فستانٍ أمامه فتاة، وكل فتاةٍ ظلّ حبيس في زجاجٍ بارد.
مدّت أصابعها إلى المرآة… فاهتزّ العالم.
خرجت الأثواب والفتيات والزينة من انعكاسها، التفّت حولها كدوّامةٍ من الضوء والعطر.
همست إحداهنّ بصوتٍ رقيقٍ يشبه رنين الخواتم:
"الليلة ستزول اللعنة، يا من بلا ظلّ."
خفضت بصرها، فرأت أقدامًا ببنطالٍ خمريٍّ بلا جسد،
تواجهها من داخل المرآة بصمتٍ غامض.
تطايرت الأثواب في الهواء، امتزجت خيوطها لتخلق ثوبًا بين لون الخمر والنبيذ.



أيدٍ من اللاشيء بدأت تعزف على خصلات شعرها نوتةً ضائعة،
تحوّلت النوتة إلى أوركسترا مهيبة،
فمٌ خمريٌّ ارتسم في المرآة، وعيناها تزيّنتا كأنّهما ليلتا عيد.

يدٌ ترتّب، وأخرى تُعطّر، وعباءةٌ أُلقيت على كتفيها،


ونجومٌ صغيرةٌ أخذت تدور حولها في صمتٍ
خاشع.





خطت خطوةً واحدة، مسلوبة الإرادة،
الهمس يحيط بها من كلّ جانب كأنّ الجدران تغني لها.

مدّت اليد من عمق المرآة، أمسكت بها وسحبتها إلى الداخل.
سقوطٌ أم ولادة؟ لم تعرف.
وحين فتحت عينيها من جديد، وجدت نفسها في قصرٍ عظيمٍ لا يُصدَّق.
جدرانه تنبض، سقفه من ضوءٍ خمريّ، وأرضه تعكس المجرّات.
في المنتصف، أوركسترا تعزف لحنًا لم يُكتب بعد، آلاتها مصنوعة من أجزاء الأحلام التي ضاعت في ليالٍ كثيرة.
اليد التي سحبتها من المرآة ما زالت تمسك بها، تقودها بخفّةٍ نحو مركز القاعة.
كلّ العيون التي لا تُرى تراقبها،
والهواء مشبعٌ بالنبيذ والعطر والإنتظار ،

توقّفت في منتصف الضوء،
فانشقَّ الفضاء عن فستانٍ يُخاط من العدم أمام أعين الجميع.
خيوط القمر والنبيذ تتعانق حولها، تلتفّ على جسدها كما يلتفّ وعدٌ قديم حول كلمةٍ نُسيت.
تحوّل العزف إلى عاصفةٍ من الجلال،
والنجوم المعلّقة بدأت تدور حولها كما لو كانت تدور حول شمسٍ وُلدت للتوّ.
تفتّحت الورود الخمرية على ذيل الفستان،
والقماش أخذ ينبض بحرارةٍ تشبه دقّ القلب حين يلتقي بالمصير.
رفعت رأسها،
ورأت في المرايا المحيطة انعكاساتٍ كثيرةً لها،
كلُّ انعكاسٍ وجهٌ من وجوهها القديمة — الطفلة، الغريبة، الحالمة، المذنبة، والعاشقة.
كلّها انحنت أمامها، كما تنحني الذكريات حين يولد الضوء من رحم الظلّ.
تقدّمت بخطواتٍ واثقة نحو العرش الخمريّ،
العرش الذي كان ينتظرها منذ أول ليلةٍ تخلّى عنها ظلّها.
جلست عليه في صمتٍ يشبه النبوءة،
فانطفأت الموسيقى، وارتجفت الجدران كأنها تشهد على ميلاد فجرٍ جديد.

همس صوتٌ من الحضور، لا يُعرف من أين خرج:
> "لقد عادت المنشودة… اكتمل الفجر في فستانها."
ابتسمت،
وشعرت أن الفستان لم يُخَطّ ليُرتدى،
بل خُلِق ليُحرِّر.
ومنذ تلك الليلة، لم يعد الليل أسودَ في المملكة، بل خمريًّا باسمها.
