أداة تخصيص استايل المنتدى
إعادة التخصيصات التي تمت بهذا الستايل

- الاعلانات تختفي تماما عند تسجيلك
- عضــو و لديـك مشكلـة فـي الدخول ؟ يــرجى تسجيل عضويه جديده و مراسلـة المديــر
او كتابــة مــوضـــوع فــي قســم الشكـاوي او مـراسلــة صفحتنـا على الفيس بــوك

بين الحقيقة الطبية والرحمة الإنسانية

Ѽ صافية

Well-Known Member
إنضم
10 سبتمبر 2016
المشاركات
795
مستوى التفاعل
283
النقاط
113
الإقامة
السعودية ، العوامية
في لحظة ما، قد يبلغ المريض مرحلة حرجة يصفها الطب بأنها “ميؤوس منها”. وعند هذه المرحلة، يصبح من حق المريض ـ بحسب الأعراف الطبية والإنسانية ـ أن يعرف حقيقة وضعه. غير أن نقل هذه الحقيقة ليس أمرًا تقنيًا بحتًا، بل مهمة دقيقة تعتمد على وعي الطبيب وثقافته وحكمته في اختيار الأسلوب. فالكلمات، وإن حملت المعنى نفسه، قد تكون بلسمًا يخفف وقع الصدمة، أو سهمًا يمزق قلب المريض قبل أن ينال منه المرض.

تأمل مثلًا طبيبًا يخاطب مريضه ببرود: “حالتك الصحية، للأسف، تجعلنا عاجزين عن فعل شيء. لم يتبقَّ لك سوى أيام معدودة.”

وفي المقابل، طبيب آخر يقول: “لقد بذلنا كل ما نستطيع، لكن للطب حدود، أما رحمة الله فلا حدود لها. وكم من مريض منّ الله عليه بالشفاء رغم عجز الأطباء. فلنتوكل على الله، وهو القادر على أن يبدّل الحال في لحظة.”

في الحالة الأولى، قد يتلقى المريض صدمة قاسية لا يسببها المرض ذاته، بل الأسلوب الذي صيغت به الكلمات. أما في الثانية، فيجد المريض نفسه أكثر قدرة على امتصاص الصدمة بقبول وتوكل.

الحقيقة أن نسبة من الأطباء تفتقر إلى مهارة مواجهة المريض بحقيقة وضعه. وحين يحاولون ذلك، قد ينقلون المعلومة الطبية بوجه جامد وصوت يخلو من التعاطف، كأنهم يحدّثون آلة لا إنسانًا. وفي المقابل، هناك أطباء أوتوا نصيبًا من الحكمة، يوفّقون بين الدقة الطبية والرحمة الإنسانية، فيخففون وقع الحقيقة بدل أن يجعلوها خنجرًا في قلب المريض. فالطبيب، قبل أن يكون متخصصًا، هو إنسان. وإذا أهمل تنمية وعيه وثقافته وأبعاده الأخلاقية، بقي فقيرًا في أهم ما يحتاجه المريض: الرحمة والكياسة. حين يغيب هذا البعد، يتحول نقل الحقيقة الطبية من واجب إنساني إلى جرح نفسي قد يفتك بالمريض قبل أن يفتك به المرض.

ولنقرب الصورة بمثال أبسط: منع التدخين. يمكن قولها بصرامة: “ممنوع التدخين”. أو بلطف: “شكرًا لامتناعكم عن التدخين”. بل ويمكن صياغتها بأبيات شعرية تلمس القلب:

يا من تزين بالتقى والدينِ *** وغدا لأهل العلم خير قرينِ
إن شئت أن تعطي الأخوة قدرها *** لا تؤذين أخاك بالتدخينِ

الفكرة واحدة: “لا تدخن”، لكن الأسلوب هو ما يصنع الأثر.

ما زالت عالقة في ذهني جملة سمعتها منسوبة إلى طبيب:
“احتمال شفائك ضعيف. أمامك خياران: إما الخوض في رحلة علاجات قد تزيد آلامك، أو انتظار أجلك. فما رأيك؟” أتساءل: كيف يمكن لمريض، يتشبث بالأمل بفطرته، أن يجيب على مثل هذا العرض؟ في المقابل، قد يتخلى آخر وبوعي عن الأمل ويسير نحو أجله. المعضلة معقدة، لكن يظل السؤال قائمًا: هل يمكن للطبيب أن يقول الحقيقة دون أن يفتك بالمريض؟ في اعتقادي: نعم، إذا امتلك الطبيب من الحكمة والرحمة والتدريب ما يجعل كلماته علاجًا للنفس قبل أن تكون مهمة عمل.
 

الذين يشاهدون الموضوع الآن 1 ( الاعضاء: 0, الزوار: 1 )