تاج النساء
Well-Known Member
إن الحاجة إلى دار معلمين عالية ، أو الحاجة إلى دار عالية للمعلمين والمدرسين في العراق بدت ملحة وضرورية بعد اتساع فتح مدارس متوسطة وثانوية اثر تشكيل الدولة العراقية الحديثة سنة 1921 . وحيث لم يكن في العراق آنذاك أساتذة من ذوي التأهيل العالي للتدريس في تلك المدارس ، ارتأى المسؤولون في وزارة المعارف ( التربية) فتح صف مسائي سنة 1923 كتدبير مؤقت ، واتخذ هذا الصف الطابق العلوي من المدرسة المأمونية في بغداد مقرا للمدرسة الجديدة التي أصبح يشرف عليها المربي المعروف الأستاذ ساطع ألحصري (1888 ـ1968) رحمه الله . وقد قبل في هذا الصف (11) طالبا فقط ، وهم يشكلون (الدورة الأولى) لتلك المؤسسة التعليمية الجديدة ،ويعدد الأستاذ عبد الرزاق الهلالي أسماء الطلاب الذين تخرجوا من الصف المسائي ويقول أنهم كانوا من معلمي ومدراء المدارس الابتدائية وهم سعيد فهيم ، وعباس فضلي ، وسلمان الشواف ، وعبد الكريم جودت ، وشفيق سلمان ، وعوني بكر صدقي ، وصديق الخوجة ، ومحمد علي الخطيب ، وعبد الرزاق لطفي ، وسعيد أيوب ، وهاشم الالوسي .وفي السابع من تشرين الأول / أكتوبر سنة 1923 ، فاتحت وزارة المعارف مجلس الوزراء بكتاب جاء فيه أن ((ثمة حاجة شديدة إلى تكثير المدارس الثانوية ، سيما الصفوف الأولى والثانية منها في السنين المقبلة ، وسنضطر إلى صفوف كهذه وتأسيس مدارس متوسطة بين الابتدائية والثانوية في المراكز المهمة كالعمارة ، والنجف الاشرف ، والناصرية ، وكربلاء المقدسة ، والواجب علينا أن نفكر في استحضار المعلمين اللازمين لهذه التأسيسات المستقبلية من الآن ، وقد رأينا أن نؤسس دار عالية للمعلمين لايقبل فيها إلا من كان متخرجا من دار المعلمين الابتدائية ، أو من مدرسة ثانوية على ان تكون مدة الدراسة فيها سنتين بحساب ( 12) درسا في الأسبوع ، وتفتح هذه المدرسة شعبة (صف) لتخريج معلمين للدروس الطبيعية ، وشعبة لتخريج معلمين للدروس التاريخية والجغرافية وتدرس في شعبة الطبيعيات الدروس الآتية : الفيزياء ، الكيمياء ، الحيوان ، النبات ، طبقات الأرض ( جيولوجيا) ، الصحة ، الزراعة ، ويدرس في شعبة التاريخ والجغرافية ، التاريخ العام وتاريخ العرب ، وتاريخ الحضارة ، والجغرافية الاقتصادية ، والجغرافية الطبيعية وجغرافية العراق ، وعلم الاقتصاد ،وعلم الاجتماع ، والسياسة ، وفي كلتا الشعبتين تدرس التربية ، وفلسفة العلوم وتاريخها )) .وبصدد الأجور الدراسية ، فقد قررت على الطلاب لسد ((المصاريف المقتضبة ، وسوف لانطلب من وزارة المالية مخصصات لهذا الغرض ، ولن ندخلها في الميزانية ، حتى نتبين الوارد من المصروف فعلا .. )) وقد وقع على الكتاب آنذاك وزير المعارف الشيخ محمد حسن ال أبي المحاسن ، أما رئيس الوزراء فكان جعفر باشا العسكري .اتخذ مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في الأول من كانون الأول / ديسمبر 1923 قرارا بقبول الاقتراح ومما جاء في القرار أن مجلس الوزراء قرر قبول اقتراح وزارة المعارف القاضي بإحداث مدرسة عالية للمعلمين ، وان يستوفي من كل طالب يدخل هذه المدرسة ( 15 ) روبية في الشهر ، وكانت الروبية آنذاك تساوي 75 فلسا عراقيا . وان لاتتكبد الخزينة مصاريف إضافية من جراء فتح هذه المدرسة سوى الأجور التي تستوفي من الطلاب .افتتح باب القبول في دار المعلمين العالية بعد اتخاذ الترتيبات والتحضيرات اللازمة .. وقبل معلمي المدارس الابتدائية الراغبين في إعداد أنفسهم للتأهيل العالي ، فالتحق بها بعد الـ (11) طالبا (الوجبة الأولى) ، عدد آخر من الطلاب عدوا (الوجبة الثانية) منهم : محمود شكري ، وسعيد صفو ، ووديع سرسم ، ومصطفى علي ثروت ، وعبد الأحد سرسم ،وعبد الحميد الخطيب ، ونسيم سلمان ، وإبراهيم حسون ، وسعيد فتوحي ، وصبحي ناحوم ، وشاكر على العاني ، وإبراهيم شوكت ، وجميل رؤوف ، وحامد مصطفى ، ومحمود الحاج علي ، وعبود مهدي زلزلة ، وذو النون أيوب ، ودانيال كساب ، وموسى الشماع ، وداؤد الصائغ ، ورفيق نوري السعيدي ، وسليم محمود ، ومحمد باقر حسين ، وضياء الدين شكارة ، وفخر الدين احمد ، وعبد القادر البند نيجي ،وذوالنون أيوب ،ونسيم سلمان ،وإبراهيم حسون ،وسعيد فتوحي ،وعبد القادر محمد ،وتوفيق فتاح ،ودانيال كساب ،وصبحي ناحوم .ولما ازداد عدد الطلبة ولم تعد بناية المدرسة المامونية تستوعبهم ،انتقلت الدار إلى بناية المدرسة الثانوية .كانت الدراسة مسائية وظلت كذلك حتى سنة 1927 ، حين أصبحت نهارية ، ولم يقبل في الدار بعد ذلك ، إلا خريجو الدراسة الثانوية ، وقد عين الأستاذ طالب مشتاق عميدا لدار المعلمين العالية وكالة ، ثم عين الدكتور ناجي الأصيل ، عميدا . أما الأساتذة فكانوا عند التأسيس :1 . ساطع ألحصري ، لتدريس علم النفس وفلسفة العلوم وأصول التدريس2 . عبد اللطيف ألفلاحي ، لتدريس التأريخ العام والحديث3 . طه الراوي ، لتدريس تأريخ العرب والإسلام4 . يوسف غنيمة ، لتدريس تاريخ المدن العراقية5 . وديع اسعد ، لتدريس الجغرافية الاقتصادية6 . هاشم السعدي ، لتدريس جغرافية العراق7 . وديع عبد الكريم ، لتدريس جغرافية العراق8 . عز الدين علم الدين ، لتدريس الكيمياء والتاريخ الطبيعيوفي العام الدراسي 1927 ـ 1928 كان ملاك دار المعلمين العالية كما يلي :***1. ساطع ألحصري ، لتدريس مادة التربية وعلم النفس والاجتماع2 . ناجي الأصيل لتدريس مادة تاريخ الحضارة3 . معروف الرصافي لتدريس مادة آداب اللغة العربية4 . جلال زريق لتدريس مادة الرياضيات5 . وديع عبد الكريم لتدريس مادة الفيزياء6 . تحسين إبراهيم لتدريس مادة الكيمياء7 . شوقي الدندشي لتدريس مادة تاريخ الإسلام8 . محمد خورشيد(وهو الشاعر محمد العدناني ) لتدريس مادة اللغة الانكليزيةكان لساطع ألحصري دور كبير في إنشاء وتنظيم دار المعلمين العالية ، فقد حرص باستمرار على إدخال الإصلاحات إلى هذا المعهد وتطويره وتزويده بالمختبرات والأثاث واللوازم المختلفة ، وفي سنة 1927 فتح في دار المعلمين العالية ، فرع للرياضيات قبل فيه عشرة طلاب من خريجي المدارس الثانوية . وكان ألحصري وراء اختيار الأساتذة الكفوئين من العرب والعراقيين للتدريس في دار المعلمين العالية . وخلال السنة الدراسية 1926 ـ 1927 ، اضطرت وزارة المعارف ، نتيجة لحاجتها إلى المدرسين ، استخدام طلاب دار المعلمين العالية قبل أن يكملوا دراستهم ، فكانوا يقضون نصف أوقاتهم في الدراسة والنصف الباقي في التدريس ،وقد أصبح في دار المعلمين العالية ثلاثة فروع ، هي فرع العلوم الطبيعية ، وفرع العلوم التاريخية والجغرافية (الاجتماعيات) ثم فرع الرياضيات . وكان سبب اقتصار الدار على هذه الفروع يرجع إلى حاجة المدارس الثانوية إلى مدرسين أكفاء في تلك الاختصاصات أكثر من حاجتها إلى مثلهم في الميادين الأخرى .أشارت المصادر البريطانية إلى أن الشعور الوطني المعارض لكل اقتراح بتعيين مدرسين أجانب للمدارس الثانوية وكذلك قلة تكاليف أعداد المدرسين داخل العراق ، بالمقارنة إلى تعيين الأجانب كان وراء إنشاء دار المعلمين العالية وقد ارتبط بإنشاء الدار، بدء المحاولات لتوسيع دائرة التعليم الثانوي. وتعد سنة 1925 نقطة تحول في تاريخ التعليم الثانوي في العراق ، إذ بدأت في هذه السنة حركة لتوسيع نطاق هذا التعليم ، إذ استعانت وزارة المعارف بالأهالي لمساعدتها ماليا في فتح مدارس متوسطة وثانوية في مناطق مختلفة من العراق . وفي السنة الدراسية 1925 ـ 1926 ابتدأت الامتحانات العامة (البكالوريا) للدراسة الثانوية في العراق لأول مرة .عندما تأسست جامعة آل البيت ببغداد في الخامس عشر من آذار / مارس 1924 وعين الأستاذ فهمي المدرس رئيسا للجامعة ، ضمت دار المعلمين العالية إلى الجامعة ، إلى جانب مدرستي (كليتي) الحقوق والهندسة ، والكلية الدينية . لكن عقد الجامعة سرعان ما انفرط عندما ألغيت سنة 1930 ، فعادت الكليات إلى وضعها السابق مستقلة بعضها عن البعض الآخر .وفي السنة الدراسية 1930 ـ 1931 نفسها ، اقترحت لجنة الأمور المالية إلغاء دار المعلمين العالية ، فاستجابت وزارة المعارف لذلك، وقررت غلق أبواب الدار بحجة انخفاض مستواها ومستوى هيئة التدريس فيها . كما تقرر التعويل على ( البعثات العلمية) في الحصول على المدرسين والمدرسات ، وكان عد طلاب الدار عند إلغائها (44) طالبا منهم (25) طالبا في الصف الأول و(19) طالبا في الصف الثاني . وقد عين المتخرجون منهم مدرسين على الملاك الثانوي . أما الذين لم يكملوا دراستهم، فقد عين بعضهم على الملاك الثانوي، والباقون على المـلاك الابتدائي . ولم تفتح الدار ثانية إلا في سنة 1935. وفي سنة 1939 أصبحت مدة الدراسة في دار المعلمين العالية أربع سنوات يمنح الطالب في نهايتها ليسانس في العلوم أو الآداب أو التربية، ويرتبط إلغاء دار المعلمين في أوائل الثلاثينات من القرن الماضي إلى سياسة نوري السعيد التي استهدفت تقليص التعليم الثانوي والاعتماد على البعثات العلمية خارج العراق ،وخشية السلطة الحاكمة آنذاك من الدور السياسي الذي بات يلعبه طلبة دار المعلمين العالية والمعاهد العالية الأخرى باعتبارهم جزءا من الحركة الوطنية العراقية . هذا فضلا عن أن سلطات الانتداب البريطاني المفروض آنذاك على العراق، لم تكن تشجع على التوسع في التعليم العالي لأسباب سياسية يتعلق معظمها بالخوف من اشتداد الوعي الوطني، وتنامي الشعور القومي والديموقراطي بين الطلبة في العراق .تحدث الأستاذ عبد الرزاق الهلالي عن دار المعلمين العالية، فقال أن الذين تخرجوا في سنة إلغاء الدار هم فرنسيس بدرية ، وعبد القادر جميل ، وجواد الجصاني ، وناجي يوسف ، ومحمد علي راجي كبة ، وصالح كبة ، وصبحي علي ، وبشير اللوس ، وكامل صالح ،وعبد الغني الجرجفجي وبشير فرنسيس ، وعبد الستار فوزي ، وعبد الهادي المختار ، وإبراهيم محمد نوري ، وكانت رواتب الذين يكملون الدراسة في دار المعلمين العلية ( 16,875) دينار شهريا . أما الذين لم يكملوا الدراسة ، فكانوا يعينون معلمين في المدارس الابتدائية براتب شهري قدره (14,250) دينار شهريا .وأضاف الهلالي يقول أن دار المعلمين العالية استقبلت أول وجبة من الفتيات العراقيات في مطلع السنة الدراسية 1937 ـ 1938 وذلك في عهد عميدها الدكتور متي عقراوي . وكن (8) فتيات منهن أديبة إبراهيم رفعت ، وبدرية علي ، وعزة الاستربادي ، وزهرة ألجلبي ، وفخرية محمد علي . والبنات كن يأتين الدار ، وكل واحدة منهن تلبس العباءة العراقية ، ويعضهن كن يضعن ( البوشي) على وجوههن . وعند وصولهن الدار ينزعن العباءة ويتحررن من البوشي وكن يجلسن في الصفوف المتقدمة (الأولى) من المقاعد ،وخلفهن يجلس الطلاب وكان وجودهن في الصف باعثا على الهدوء والاحترام وتجنب العبث والمزاح .أما الأستاذ الدكتور حسين علي محفوظ ، وكان احد طلاب دار المعلمين العالية أي من الطلاب الذين يطلق عليهم ( الدر معيون) ، فقد كتب عن دار المعلمين العالية في ذكراها الستينية ( خريف 1983) يقول انه قدم إلى رئيس جامعة بغداد في السبعينات من القرن الماضي مقترحا لإحياء ذكرى تأسيس دار المعلمين العالية ، فاستجاب، وأعد الدكتور محفوظ منهاجا واسعا لإحياء الذكرى لكن المنهاج ضاع وكان يتضمن نبذة عن تأسيس دار المعلمين العالية وموجز تاريخها وأسماء عمدائها وقائمة مرتبة على السنين بالأوائل من خريجيها .وقد أسف على ضياع ذلك. وفي جريدة العراق (البغدادية) العدد الصادر يوم 3 شباط ،1985 نشر الدكتور محفوظ جانبا في ذكرياته عن دار المعلمين العالية ، وذكر انه نظم قصيدة خاطب بها الدار في 12 تشرين الثاني / نوفمبر 1949 قائلا :يا دار صحبي وحسبيأني إلى الدار أنميويا أهيل وداديأورثتموني سقماويا أحبابي رفقاتركتم الكلم يدمىوقال: (( كانت دار المعلمين العالية شيئا خاصا في المعاهد يمثل التعليم العالي في إطار أسرة متحابة تضم الأساتذة والطلبة والموظفين والعاملين تجمعه الدار . وقد ترك رباط الأسرة أثرا كبيرا في مشاعر خريجي دار المعلمين العالية يشبه القرابة وربما زاد عليها . وقد ظل ( الدر معيون) يحسون عمق المودة والحب والقربى حتى الآن رغم تباعد الزمن وتقدم العهد . ولفظ ( دار المعلمين العالية) عند خريج الدار يعني ( حنينه أبدا لأول منزل) وذكريات سنين أربع عامرة بالدروس والمواسم والمشاكل والظرائف واللطائف والطرائـف والحب)) .لقد كانت دار المعلمين العالية، في نظر الدكتور محفوظ وكل خريجيها ،(( بيتا جميلا ، وأسرة لطيفة وعائلة متآلفة تربط أعضاءها الصداقة والزمالة والدراسة ،وتشدهم المحبة والمودة والرفعة . تؤلف بينهم قاعاتها وساحاتها ورحبها ، وتجمعهم حجراتها وغرفها وحدائقها . ويلتقون في مطعمها وتؤنسهم أحاديث مائدتها صباحا ومساء وتضم غرفات النوم في القسم الداخلي أجنحتها عليهم ليلا إذا اشتد الظلام ، ويطيب حمامها أجسامهم في الجمعات كل أسبوع . وقد تعطر نسمات الدار أحيانا اسارى الهوى يخفون الفتون ، ثم تنم عليهم الآهات والحسرات ، ويشي بهم الوله ، وتشهد عليهم النظرات ، وتدل عليهم الدموع ، وهي حالات كانت تعبق بالعفة ، والصدق ، والأمانة والنزاهة ، وكنا ننظر إلى أصحابها بإشفاق ورحمة ورأفة)) .ويستطرد الدكتور محفوظ مع ذكرياته في دار المعلمين العالية، ويعدها ((أم المدارس)) و((نواة الجامعة)) و ((من أمهات معاهد الثقافة والمعرفة والمركز الأول لتخريج رجال العلم والأدب في العراق)) .ثم يقول (( دخلت دار المعلمين العالية في خريف سنة 1944، وحييتها في اللقاء الأول يوم 5 تشرين الثاني 1944 بقصيدة مطلعها :أورق العود وازدهى النوار*وطوى معصم الرياض سوار*وكانت هذه الأبيات بداية التعريف بي شاعرا في الدار .* * *
* * * **
