تاج النساء
Well-Known Member
650)،*فيلسوف، ورياضي، وفيزيائي*فرنسي، يلقب بـ"أبو الفلسفة الحديثة"، وكثير من الأطروحات الفلسفية الغربية التي جاءت بعده، هي انعكاسات لأطروحاته، والتي ما زالت تدرس حتى اليوم، خصوصاً كتاب (تأملات في الفلسفة الأولى-1641 م) الذي ما زال يشكل النص القياسي لمعظم كليات الفلسفة. كما أن لديكارت تأثير واضح في علم*الرياضيات، فقد اخترع نظاماً رياضياً سمي باسمه وهو (نظام الإحداثيات الديكارتية)، الذي شكل النواة الأولى لـ(الهندسة التحليلية)، فكان بذلك من الشخصيات الرئيسية في تاريخ*الثورة العلمية. وديكارت هو الشخصية الرئيسية لمذهب*العقلانية*في القرن17 م، كما كان ضليعاً في علم*الرياضيات، فضلاً عن*الفلسفة، وأسهم إسهاماً كبيراً في هذه العلوم، وديكارت هو صاحب المقولة الشهيرة:"أنا أفكر، إذاً أنا موجود'".
محتويات
حياتهعدل
ولد ديكارت في 31 مارس عام1596 م في مدينة لاهاي إن تورين، لكن أسرته كانت ترجع في أصلها إلى*هولندا. ينتمي ديكارت إلى أسرة من صغار النبلاء، حيث عمل أبوه مستشاراً في برلمان إقليم بريتانيا الفرنسي. وكان جده لأبيه طبيباً، وجده لأمه حاكماً لإقليم بواتيه. وفي سنة 1604 التحق ديكارت بمدرسة لافلشي La Fliche، وهي تنتمي إلى طائفة دينية تسمى باليسوعية، وقد تلقى ديكارت فيها تعليماً فلسفياً راقياً يعد من أرقى الأنواع فيأوروبا*وبدأ فيها*ديكارت*في تعلم*الأدب، والمنطق، والأخلاق ثم*الفلسفة*وأخيراً*الرياضيات*والفيزياء. ونال إجازة الحقوق من جامعة بواتيه حيث تخرج ديكارت من الكلية سنة 1612 حاملاً شهادة*الليسانس*في القانون الديني والمدني سنة 1616.[2]*وعلى عادة النبلاء في ذلك العصر، نصحه أبوه بالالتحاق بالجيش الهولندي، إذ كان هذا الجيش أفضل جيوش*أوروبا*نظاماً وخبرة، وكان يشكل مدرسة حربية لكل من أراد أن يتعلم فن الحرب. وبالفعل رحل*ديكارت*إلى*هولندا*سنة 1618 وتعرف هناك على طبيب هولندي يدعى اسحق بيكمان، وكان متبحراً في العلوم، وشجعه على دراسة*الفيزياءوالرياضيات*وعلى الربط بينهما، وكانا يمارسان معاً طريقة جديدة في البحث تطبق الرياضيات على*الميتافيزيقا، وترد الميتافيزيقا إلى الرياضيات، وقد كان لهذه الطريقة أبلغ الأثر في تطور ديكارت الفكري وفي تشكيل فلسفته، إذ أن منهجه ومذهبه الفلسفي لن يختلف كثيراً عن طريقة البحث هذه.[3]*تطوع للخدمة في الجيش الهولندي عام1618 م، وخاض معه عدة معارك، وفي عام1622 م عاد ديكارت إلى*فرنسا*وصفى جميع أملاكه ليستثمر الأموال في تجارة*السندات المالية*وقد أمنت له دخلا مريحا لبقية حياته. وفي الفترة بين 1628 م و1649 م عاش ديكارت حياة علمية هادئة في*هولندا، وألف فيها معظم مؤلفاته، والتي أحدثت ثورة في مجالي*الرياضيات*والفلسفة.غادر ديكارت هولندا سنة 1619 وذهب إلى ألمانيا، وهناك اكتشف*الهندسة التحليلية*التي اشتهر بها ووضع يده على قواعد منهجه الفلسفي. وفي سنة 1620 بدأ في السفر متنقلاً بين العديد من المدن الأوربية لمدة تسع سنين، وفيها باع أملاكه التي ورثها عن أمه، وعرض عليه أبوه أن يشتري له وظيفة حاكم عسكري فرفض ديكارت وآثر أن يعيش حياة العزلة. وفي سنة 1628 غادر*فرنسا*إلى*هولندا*حيث قضى فيها فترة كبيرة من حياته. والذي جعله يفضل هولندا أنها كانت آنذاك من أقوى وأغنى الدول الأوروبية وأكثرها ازدهاراً في العلوم والفنون. وفي سنة 1629 بدأ ديكارت في كتابة رسالته «العالم Le Monde» وفيها يبحث في الطبيعة على أساس النتائج التي توصل إليها كوبرنيكوس وكبلر*وجاليليو*في النظام الشمسى ودوران الأرض حول الشمس. لكن حدث أن أدانت محكمة التفتيش والكنيسة الكاثوليكية في*روما*العالم الإيطالي جاليليو سنة 1633، خوفاً من أن تؤدي آراء*جاليليوالجديدة إلى سقوط الاعتقاد القديم بأن الأرض ثابتة في الكون والنجوم والكواكب*تدور حولها وعندئذ خشى ديكارت أن يكون مصيره نفس مصير جاليليو، فلم يكمل الرسالة وكاد أن يحرق أوراقها وعزم على ألا يكتب أي شئ على الإطلاق،[4]*مما أدى إلى توقف ديكارت عن نشر بعض أفكاره، وفي عام1643 م أدانت*جامعة أوتريخت*الهولندية الفلسفة الديكارتية.لكن سرعان ما أدرك*ديكارت*أنه لا يمكن أن يتوقف عن الكتابة نهائياً وهو الفيلسوف الذي بدأ صيته ينتشر وعندما أحس أن الناس يتشوقون لمعرفة فلسفته عكف على الكتابة مرة أخرى، وأخرج ثلاث رسائل تدور كلها حول الموضوعات الرياضية والطبيعية وهي عن انكسار الأشعة والأنواء الجوية والهندسة، وقدم لها بمقال صغير وهو*«مقال عن المنهج» سنة 1636 وبلغ حد خوف ديكارت أن طبع الكتاب دون أن يكتب اسمه على الغلاف. وقررديكارت*أن يضع مذهباً للفلسفة ويطبقه على*الميتافيزيقا*فأخرج سنة 1641 كتاب «التأملات في الفلسفة الأولى» الذي أهداه إلى الأميرة إليزابيث البلاتينية التي راسلها كثيراً وأخذ يشرح لها فلسفته ويناقشها في أمور الأخلاق والسياسة. وعندما ذاعت شهرته وضع له ملك فرنسا راتباً سنوياً يقدر بثلاثة آلاف جنيه سنة 1647 لكنه لم يتلق منه شيئاً إذ آثر حياة العزلة. وفي سنة 1648 تعرف على ملكة*السويد*كريستينا التي ناقشته طويلاً في فلسفته عبر سلسلة من الرسائل، وأصرت على دعوته للسويد ليكون عوناً لها في إدارة الحكم وشئون البلاد كمستشار، وعندما قبل الدعوة سافر إلى*استوكهلمعاصمة السويد في أواخر عام 1649. وكانت الملكة تتردد عليه طويلاً لمناقشته في فلسفته، لكن الطقس البارد للسويد لم يكن مناسباً لصحته، فأصيب بالتهاب رئوي، فرفض نصائح الأطباء وآثر أن يعالج نفسه بنفسه، وعندما اشتد عليه المرض توفى في 11 فبراير سنة 1650.
أهم أفكارهعدل
نظرية المعرفةعدل
شك ديكارت في المعرفة الحسية سواء منها الظاهرة أو الباطنة، وكذلك في المعرفة المتأتية من عالم اليقظة، كما شك في قدرة العقل الرياضي على الوصول إلى المعرفة، وشك في وجوده، ووجود العالم الحسي، إلى أن أصبح شكه دليلا عنده على الوجود، فقال "كلما شككت ازددت تفكيرا فازددت يقينا بوجودي".
المنهج الديكارتيعدل
هو المنهج الجديد في*الفلسفة، وبسببه سمي ديكارت بـ"أبو الفلسفة الحديثة". إن دارس فلسفة ديكارت ليندهش عندما يعلم أن تخصص*ديكارتالأساسي لم يكن الفلسفة بل*الرياضيات*والجبر*والبصريات. فالمطلع على مجمل أعماله يلاحظ أنها تشكل عدة مجلدات تعد ست مجلدات من القطع الكبير في بعض الطبعات، تنصب أساساً على الموضوعات الرياضية والهندسية ولا تحتل أعماله الفلسفية التي اشتهر بها سوى جزء ضئيل لا يكاد يصل إلى نصف مجلد. لقد كان ديكارت رياضياً في الأساس، ولم يكن فيلسوفاً إلا في أوقات فراغه من دراساته الرياضية. لكن هذا الجزء الفلسفي الصغير نسبياً من مؤلفاته هو السبب في شهرته كفيلسوف وهو الذي صنع منه مؤسس الفلسفة الحديثة. ومعنى هذا أن الجزء الفلسفي من أعماله يعد ملحقاً على أعماله الرياضية الأساسية، أو هامش فلسفي على متن رياضي هندسي. ويرجع السبب في ذلك إلى أن*ديكارت*الذي شهد درجة النجاح المذهل الذي حققته الرياضيات في عصره من دقة المنهج ويقين النتائج التام أراد للفلسفة أن تصل إلى نفس الدقة المنهجية واليقين المطلق الذي وصلته الرياضيات في عصره وعلى يديه هو شخصياً. ويتمثل تأثر*ديكارت*بالمنهج الرياضي في فلسفته في سعيه نحو الوصول إلى نقطة أولى يقينية واضحة بذاتها يؤسس عليها فلسفته كلها، وهي وجود الأنا أفكر. فهذا الأنا أفكر كان بالنسبة له المبدأ الأول الشبيه بمبادئ الرياضيات التي تؤسس لكل المبرهنات الرياضية التالية عليها. كما يسير ديكارت بالطريقة الاستنباطية السائدة في الرياضيات في مذهبه الفلسفي حيث يستنبط وجود*الإله*والعالم وخلود النفس من وجود الأنا أفكر. ويقوم المنهج الديكارتي على أساسين، هما:البداهة: أي التصور الذي يتولد في نفس سليمة منتبهة عن مجرد الأنوار العقلية.الاستنباط: أي العملية العقلية التي تنقلنا من الفكرة البديهية إلى نتيجة أخرى تصدر عنها بالضرورة.والحقيقة أن محاولة الوصول إلى اليقين في الموضوعات العلمية والفيزيائية سهل يسير باتباع الطريقة الرياضية، لكنه ليس كذلك بالنسبة للموضوعات الميتافيزيقية. فلا يمكن التعامل مباشرة مع موضوعات مثل وجود الإله*وخلود النفس بالطريقة الرياضية. وقد كان ديكارت صادقاً في ذلك مع نفسه، إذ أنه لم يبدأ دراسة هذه الموضوعات مباشرة، بل وضعها كلها موضع الشك وتوقف عن الحكم عليها منذ البداية. يقول ديكارت في التأمل الأول: «وإذا لم يكن في مقدوري الوصول إلى معرفة أي حقيقة، فليكن أن أفعل ما هو في مقدوري على الأقل، أي التوقف عن كل حكم، وأتجنب أن أعطي أي مصداقية لأي شئ باطل».[5]وعندما فكر*ديكارت*في وضع منهج في*الفلسفة*أقامه على أساس أسلوب التفكير الرياضي والهندسي. وهذا هو المعنى الحقيقي لقواعد المنهج الأربعة التي وضعها في كتابه*«مقال عن المنهج». تنص القاعدة الأولى على «ألا أقبل شيئاً على أنه حق ما لم أعرف يقيناً أنه كذلك، بمعنى أن أتجنب بعناية التهور، و السبق إلى الحكم قبل النظر، وألا أدخل في أحكامي إلا ما يتمثل أمام عقلي في جلاء وتميز، بحيث لا يكون لدي أي مجال لوضعه موضع الشك».[6]*وتسمى هذ القاعدة بقاعدة اليقين، لأنها تدخل إلى يقين بديهي بسيط لا يتطرق إليه شك. ويتضح ارتباط هذه القاعدة بالهندسة الرياضية من الأمثال التي يضربها ديكارت عليها، فاليقين عنده هو القول بأن المثلث هو الشكل المكون من ثلاث أضلاع، وأن المساويان لشئ ثالث متساويان. ولا يهدف ديكارت من هذه القاعدة تأسيس الرياضيات أو الهندسة على أسس يقينية، ذلك لأنهما مؤسسان على اليقين بالفعل، بل يهدف استعارة هذا اليقين الرياضي والهندسي لتطبيقه على موضوعات الفلسفة. وعندما نطبق هذه القاعدة على الفلسفة تبدأ باعتبارها شكاً منهجياً، ذلك لأنها تنص على «ألا أقبل شيئاً على أنه حق ما لم أكن على يقين أنه كذلك»، فنص القاعدة يبدأ بالسلب، أي بألا يقبل شيئاً، وهذا هو الشك الذي هو الخطوة الأولى في المنهج الفلسفي عند ديكارت. ومعنى هذا أن قواعد المنهج عامة وكلية، وعندما تتم مناسبتها كموضوعات الفلسفة لوضع منهج خاص بالفلسفة تنقسم القاعدة الأولى إلى خطوتين، الخطوة الأولى هي الشك في كل شئ شكاً منهجياً للوصول منها إلى يقين أول. فبعد أن يشك ديكارت في وجود العالم، ينطلق من هذا الشك نفسه ليتوصل إلى أول يقين وهو أن الشك يتضمن التفكير، والشخص الذي يفكر يجب أن يكون موجوداً: أنا أشك إذن أنا أفكر إذن أنا موجود.
محتويات
حياتهعدل
ولد ديكارت في 31 مارس عام1596 م في مدينة لاهاي إن تورين، لكن أسرته كانت ترجع في أصلها إلى*هولندا. ينتمي ديكارت إلى أسرة من صغار النبلاء، حيث عمل أبوه مستشاراً في برلمان إقليم بريتانيا الفرنسي. وكان جده لأبيه طبيباً، وجده لأمه حاكماً لإقليم بواتيه. وفي سنة 1604 التحق ديكارت بمدرسة لافلشي La Fliche، وهي تنتمي إلى طائفة دينية تسمى باليسوعية، وقد تلقى ديكارت فيها تعليماً فلسفياً راقياً يعد من أرقى الأنواع فيأوروبا*وبدأ فيها*ديكارت*في تعلم*الأدب، والمنطق، والأخلاق ثم*الفلسفة*وأخيراً*الرياضيات*والفيزياء. ونال إجازة الحقوق من جامعة بواتيه حيث تخرج ديكارت من الكلية سنة 1612 حاملاً شهادة*الليسانس*في القانون الديني والمدني سنة 1616.[2]*وعلى عادة النبلاء في ذلك العصر، نصحه أبوه بالالتحاق بالجيش الهولندي، إذ كان هذا الجيش أفضل جيوش*أوروبا*نظاماً وخبرة، وكان يشكل مدرسة حربية لكل من أراد أن يتعلم فن الحرب. وبالفعل رحل*ديكارت*إلى*هولندا*سنة 1618 وتعرف هناك على طبيب هولندي يدعى اسحق بيكمان، وكان متبحراً في العلوم، وشجعه على دراسة*الفيزياءوالرياضيات*وعلى الربط بينهما، وكانا يمارسان معاً طريقة جديدة في البحث تطبق الرياضيات على*الميتافيزيقا، وترد الميتافيزيقا إلى الرياضيات، وقد كان لهذه الطريقة أبلغ الأثر في تطور ديكارت الفكري وفي تشكيل فلسفته، إذ أن منهجه ومذهبه الفلسفي لن يختلف كثيراً عن طريقة البحث هذه.[3]*تطوع للخدمة في الجيش الهولندي عام1618 م، وخاض معه عدة معارك، وفي عام1622 م عاد ديكارت إلى*فرنسا*وصفى جميع أملاكه ليستثمر الأموال في تجارة*السندات المالية*وقد أمنت له دخلا مريحا لبقية حياته. وفي الفترة بين 1628 م و1649 م عاش ديكارت حياة علمية هادئة في*هولندا، وألف فيها معظم مؤلفاته، والتي أحدثت ثورة في مجالي*الرياضيات*والفلسفة.غادر ديكارت هولندا سنة 1619 وذهب إلى ألمانيا، وهناك اكتشف*الهندسة التحليلية*التي اشتهر بها ووضع يده على قواعد منهجه الفلسفي. وفي سنة 1620 بدأ في السفر متنقلاً بين العديد من المدن الأوربية لمدة تسع سنين، وفيها باع أملاكه التي ورثها عن أمه، وعرض عليه أبوه أن يشتري له وظيفة حاكم عسكري فرفض ديكارت وآثر أن يعيش حياة العزلة. وفي سنة 1628 غادر*فرنسا*إلى*هولندا*حيث قضى فيها فترة كبيرة من حياته. والذي جعله يفضل هولندا أنها كانت آنذاك من أقوى وأغنى الدول الأوروبية وأكثرها ازدهاراً في العلوم والفنون. وفي سنة 1629 بدأ ديكارت في كتابة رسالته «العالم Le Monde» وفيها يبحث في الطبيعة على أساس النتائج التي توصل إليها كوبرنيكوس وكبلر*وجاليليو*في النظام الشمسى ودوران الأرض حول الشمس. لكن حدث أن أدانت محكمة التفتيش والكنيسة الكاثوليكية في*روما*العالم الإيطالي جاليليو سنة 1633، خوفاً من أن تؤدي آراء*جاليليوالجديدة إلى سقوط الاعتقاد القديم بأن الأرض ثابتة في الكون والنجوم والكواكب*تدور حولها وعندئذ خشى ديكارت أن يكون مصيره نفس مصير جاليليو، فلم يكمل الرسالة وكاد أن يحرق أوراقها وعزم على ألا يكتب أي شئ على الإطلاق،[4]*مما أدى إلى توقف ديكارت عن نشر بعض أفكاره، وفي عام1643 م أدانت*جامعة أوتريخت*الهولندية الفلسفة الديكارتية.لكن سرعان ما أدرك*ديكارت*أنه لا يمكن أن يتوقف عن الكتابة نهائياً وهو الفيلسوف الذي بدأ صيته ينتشر وعندما أحس أن الناس يتشوقون لمعرفة فلسفته عكف على الكتابة مرة أخرى، وأخرج ثلاث رسائل تدور كلها حول الموضوعات الرياضية والطبيعية وهي عن انكسار الأشعة والأنواء الجوية والهندسة، وقدم لها بمقال صغير وهو*«مقال عن المنهج» سنة 1636 وبلغ حد خوف ديكارت أن طبع الكتاب دون أن يكتب اسمه على الغلاف. وقررديكارت*أن يضع مذهباً للفلسفة ويطبقه على*الميتافيزيقا*فأخرج سنة 1641 كتاب «التأملات في الفلسفة الأولى» الذي أهداه إلى الأميرة إليزابيث البلاتينية التي راسلها كثيراً وأخذ يشرح لها فلسفته ويناقشها في أمور الأخلاق والسياسة. وعندما ذاعت شهرته وضع له ملك فرنسا راتباً سنوياً يقدر بثلاثة آلاف جنيه سنة 1647 لكنه لم يتلق منه شيئاً إذ آثر حياة العزلة. وفي سنة 1648 تعرف على ملكة*السويد*كريستينا التي ناقشته طويلاً في فلسفته عبر سلسلة من الرسائل، وأصرت على دعوته للسويد ليكون عوناً لها في إدارة الحكم وشئون البلاد كمستشار، وعندما قبل الدعوة سافر إلى*استوكهلمعاصمة السويد في أواخر عام 1649. وكانت الملكة تتردد عليه طويلاً لمناقشته في فلسفته، لكن الطقس البارد للسويد لم يكن مناسباً لصحته، فأصيب بالتهاب رئوي، فرفض نصائح الأطباء وآثر أن يعالج نفسه بنفسه، وعندما اشتد عليه المرض توفى في 11 فبراير سنة 1650.
أهم أفكارهعدل
نظرية المعرفةعدل
شك ديكارت في المعرفة الحسية سواء منها الظاهرة أو الباطنة، وكذلك في المعرفة المتأتية من عالم اليقظة، كما شك في قدرة العقل الرياضي على الوصول إلى المعرفة، وشك في وجوده، ووجود العالم الحسي، إلى أن أصبح شكه دليلا عنده على الوجود، فقال "كلما شككت ازددت تفكيرا فازددت يقينا بوجودي".
المنهج الديكارتيعدل
هو المنهج الجديد في*الفلسفة، وبسببه سمي ديكارت بـ"أبو الفلسفة الحديثة". إن دارس فلسفة ديكارت ليندهش عندما يعلم أن تخصص*ديكارتالأساسي لم يكن الفلسفة بل*الرياضيات*والجبر*والبصريات. فالمطلع على مجمل أعماله يلاحظ أنها تشكل عدة مجلدات تعد ست مجلدات من القطع الكبير في بعض الطبعات، تنصب أساساً على الموضوعات الرياضية والهندسية ولا تحتل أعماله الفلسفية التي اشتهر بها سوى جزء ضئيل لا يكاد يصل إلى نصف مجلد. لقد كان ديكارت رياضياً في الأساس، ولم يكن فيلسوفاً إلا في أوقات فراغه من دراساته الرياضية. لكن هذا الجزء الفلسفي الصغير نسبياً من مؤلفاته هو السبب في شهرته كفيلسوف وهو الذي صنع منه مؤسس الفلسفة الحديثة. ومعنى هذا أن الجزء الفلسفي من أعماله يعد ملحقاً على أعماله الرياضية الأساسية، أو هامش فلسفي على متن رياضي هندسي. ويرجع السبب في ذلك إلى أن*ديكارت*الذي شهد درجة النجاح المذهل الذي حققته الرياضيات في عصره من دقة المنهج ويقين النتائج التام أراد للفلسفة أن تصل إلى نفس الدقة المنهجية واليقين المطلق الذي وصلته الرياضيات في عصره وعلى يديه هو شخصياً. ويتمثل تأثر*ديكارت*بالمنهج الرياضي في فلسفته في سعيه نحو الوصول إلى نقطة أولى يقينية واضحة بذاتها يؤسس عليها فلسفته كلها، وهي وجود الأنا أفكر. فهذا الأنا أفكر كان بالنسبة له المبدأ الأول الشبيه بمبادئ الرياضيات التي تؤسس لكل المبرهنات الرياضية التالية عليها. كما يسير ديكارت بالطريقة الاستنباطية السائدة في الرياضيات في مذهبه الفلسفي حيث يستنبط وجود*الإله*والعالم وخلود النفس من وجود الأنا أفكر. ويقوم المنهج الديكارتي على أساسين، هما:البداهة: أي التصور الذي يتولد في نفس سليمة منتبهة عن مجرد الأنوار العقلية.الاستنباط: أي العملية العقلية التي تنقلنا من الفكرة البديهية إلى نتيجة أخرى تصدر عنها بالضرورة.والحقيقة أن محاولة الوصول إلى اليقين في الموضوعات العلمية والفيزيائية سهل يسير باتباع الطريقة الرياضية، لكنه ليس كذلك بالنسبة للموضوعات الميتافيزيقية. فلا يمكن التعامل مباشرة مع موضوعات مثل وجود الإله*وخلود النفس بالطريقة الرياضية. وقد كان ديكارت صادقاً في ذلك مع نفسه، إذ أنه لم يبدأ دراسة هذه الموضوعات مباشرة، بل وضعها كلها موضع الشك وتوقف عن الحكم عليها منذ البداية. يقول ديكارت في التأمل الأول: «وإذا لم يكن في مقدوري الوصول إلى معرفة أي حقيقة، فليكن أن أفعل ما هو في مقدوري على الأقل، أي التوقف عن كل حكم، وأتجنب أن أعطي أي مصداقية لأي شئ باطل».[5]وعندما فكر*ديكارت*في وضع منهج في*الفلسفة*أقامه على أساس أسلوب التفكير الرياضي والهندسي. وهذا هو المعنى الحقيقي لقواعد المنهج الأربعة التي وضعها في كتابه*«مقال عن المنهج». تنص القاعدة الأولى على «ألا أقبل شيئاً على أنه حق ما لم أعرف يقيناً أنه كذلك، بمعنى أن أتجنب بعناية التهور، و السبق إلى الحكم قبل النظر، وألا أدخل في أحكامي إلا ما يتمثل أمام عقلي في جلاء وتميز، بحيث لا يكون لدي أي مجال لوضعه موضع الشك».[6]*وتسمى هذ القاعدة بقاعدة اليقين، لأنها تدخل إلى يقين بديهي بسيط لا يتطرق إليه شك. ويتضح ارتباط هذه القاعدة بالهندسة الرياضية من الأمثال التي يضربها ديكارت عليها، فاليقين عنده هو القول بأن المثلث هو الشكل المكون من ثلاث أضلاع، وأن المساويان لشئ ثالث متساويان. ولا يهدف ديكارت من هذه القاعدة تأسيس الرياضيات أو الهندسة على أسس يقينية، ذلك لأنهما مؤسسان على اليقين بالفعل، بل يهدف استعارة هذا اليقين الرياضي والهندسي لتطبيقه على موضوعات الفلسفة. وعندما نطبق هذه القاعدة على الفلسفة تبدأ باعتبارها شكاً منهجياً، ذلك لأنها تنص على «ألا أقبل شيئاً على أنه حق ما لم أكن على يقين أنه كذلك»، فنص القاعدة يبدأ بالسلب، أي بألا يقبل شيئاً، وهذا هو الشك الذي هو الخطوة الأولى في المنهج الفلسفي عند ديكارت. ومعنى هذا أن قواعد المنهج عامة وكلية، وعندما تتم مناسبتها كموضوعات الفلسفة لوضع منهج خاص بالفلسفة تنقسم القاعدة الأولى إلى خطوتين، الخطوة الأولى هي الشك في كل شئ شكاً منهجياً للوصول منها إلى يقين أول. فبعد أن يشك ديكارت في وجود العالم، ينطلق من هذا الشك نفسه ليتوصل إلى أول يقين وهو أن الشك يتضمن التفكير، والشخص الذي يفكر يجب أن يكون موجوداً: أنا أشك إذن أنا أفكر إذن أنا موجود.