أداة تخصيص استايل المنتدى
إعادة التخصيصات التي تمت بهذا الستايل

- الاعلانات تختفي تماما عند تسجيلك
- عضــو و لديـك مشكلـة فـي الدخول ؟ يــرجى تسجيل عضويه جديده و مراسلـة المديــر
او كتابــة مــوضـــوع فــي قســم الشكـاوي او مـراسلــة صفحتنـا على الفيس بــوك

صدقًا أجد متعتي بتحديات الكتابة

الجور ي

الjo هسيس بين يقظة وغيم
طاقم الإدارة
وسام المحاور فذ
إنضم
26 يونيو 2023
المشاركات
121,958
مستوى التفاعل
120,297
النقاط
2,508
هذه قصة كانت تحدي
التحدي ينص على دخول فتاة مقهى ويعجبها شخص فتختاره ليكون رفيقها

طبعًا انا يزعجني وضع أن يكون البشر ذكر أو أنثى تحت مجهر الإختيار كحبة الفاكهة لذا نفذت التحدي ولكن بطريقتي التي أجدها مناسبة لأفكاري


أدعكم من ثرثرتي وقصة بعنوان
بني داكن ......




ميلانو، هذه المدينة التي تجرّ أيامها في نهايات الخريف كمن يجرّ معطفه الثقيل على أرصفة مبتلة.
الأيام الماضية كانت مرهقة… حتى على سيدة تعرف أن تقرأ الوجوه كما يقرأ النحل طريقه إلى الزهرة.

أقرب مقهى من مكتبي يبعد عشرين خطوة فقط، لكن تلك الخطوات تكفي لأن أترك العالم خلفي وأدخل إلى عزلة تشبه صمت الكنيسة حين تدق أجراس الأحد.
أبعدت خصلات شعري عن وجهي، علقتها خلف أذني، وأدركت أنني لا أستطيع أن أهدأ في مثل هذا اليوم… كأن العالم كلّه في سبات، وأنا وحدي كنحلة تطن وتطن وتطن، لا لأن لها عملًا، بل لأن الطنين نفسه هو طريقة للبقاء حيّة.
ربما كانت زوجة أبي صادقة حين قالت لي:

> "لن تكوني يومًا ملكة، أنت عاملة في قفير… وستبقين كذلك."



عبرت عتبة المقهى. المكان ممتلئ، لكن هدوءه يجعل الزحام جزءًا من الديكور، لا من الضوضاء.
إنه مقهى لا يقدّم سوى القهوة، وذروة عمله تكون في الآحاد… حيث تجتمع صائدات الرجال، الباحثات عن الأزواج، وحتى من تبحث عن علاقة عابرة تجد مقعدًا هنا.

همست للنادل: "طاولتي المعتادة"، فقادني إلى المقعد أمام الزجاج الأمامي، حيث يمكنني رؤية الشارع والناس، وبجانبي حوض أسماك.
أنا لا أترك سمكة بلا اسم… ليس يأسًا، بل خوفًا من أن يجيء يوم أنسى فيه كل شيء، فأبقى أتمسّك بخيوط الأسماء كخيوط ذاكرة.

كانت تلك خطتي منذ زمن. أظن أن الجيوش في الحرب كانت تفعل شيئًا شبيهًا… تربط الجنود في أزواج، حتى تعرف من فقد ومن بقي حيًّا.
يشبه الأمر تلك اللعبة في المدرسة الابتدائية، حين كان المعلم يربط أقدامنا نحن الاثنين معًا، فنركض… نحاول التوازن بين ساقينا المشتركة، بين سقوط وضحك وخفقات قلب.
جلست، ووضعت حقيبتي على الكرسي المقابل… لا لأني أنتظر أحدًا، بل لأني أريد أن أحتل المساحة التي تمنع الآخرين من الجلوس معي.
طلبت قهوتي المعتادة، وأدرت بصري… عشرة رجال متفرقون في القاعة. كانوا جميعًا مشغولين بشيء ما، أو هكذا يوحي لهم حالهم.
لم يعرفوا أن امرأة تزنهم كما يزن الصائغ الذهب في كفّيه.
لفت انتباهي رجل في منتصف الثلاثينيات… كان يشرب قهوته بطريقة غريبة، يلف الفنجان ليحتسي من زاوية مختلفة في كل مرة، كأنه يتجنب تكرار اللحظة ذاتها. لا أعلم سبب ذلك، لكنه بدا مثيرًا للفضول، وكأن بينه وبين الخزف سرًّا صغيرًا لا يريد لأحد أن يعرفه. وضعت يدي على وجنتي، وأدرت نظري بعيدًا…

هناك، على الطاولة الأخرى، جلس رجل آخر، يداه ممتلئتان بعروق نافرة، كأنها خارطة تحت الجلد، تحكي عن أوزان تُرفع، وأجساد تُجهد. مظهره لم يوحِ بالطمأنينة؛ القوة المفرطة تُربك أحيانًا أكثر مما تطمئن.

أبعدت نظري مجددًا، لتلتقي عيناي بعينين مسحوبتين بشدة، ملامح توحي بأنه من الشرق الأقصى… ربما كوري، أو صيني. تساءلت للحظة: "ماذا يفعل هنا، في قلب ميلانو؟" لم يشرب قهوته كالبقية، بل كان يمسك بفنجان يشبه جفنة المختبرات، مما أيقظ في ذاكرتي صورة قديمة من أيام المدرسة… حين كان أستاذ الكيمياء يحاول تنفيذ تفاعل أمامنا، وأحد الطلبة أطلق صوت انفجار في اللحظة الحاسمة. قفز الأستاذ إلى الأرض وغطى رأسه، ونحن… ضحكنا حتى البكاء. عقوبتنا كانت شهرًا كاملًا بملابس عمال النظافة، نجوب المدرسة لجمع القمامة ومسح السبورات. ابتسمت بخفة، ورفعت فنجاني لأرتشف رشفة صغيرة.

أخرجت علبة سجائري. سيجارتي اليومية ليست إدمانًا، بل طقسًا… متعة نرجسية في الشهيق الأول. وضعتها بين شفتي، ولمحت أحد النُدُل يقترب، يميل قليلًا ليشعلها بقداحته. ابتسمت وقلت بخفوت:
– جوفاني… دائمًا تنقذني.
هز رأسه بابتسامة يعرفها منذ الطفولة؛ فهو ابن صديقة أمي، وأعتبره أخًا صغيرًا.

سحبت نفسًا طويلًا من سيجارتي، وأرجعت رأسي إلى الخلف، لألمح رجلاً ببدلة نيلية وربطة عنق زرقاء، يتحدث عبر هاتفه بثقةٍ تكاد تلمسها بأطراف أصابعك. أصابعه تنقر على الطاولة بانتظام، كإيقاع خفي يخصه وحده. لم أستطع النظر طويلاً… الغرور الذي يشع منه اخترق مسامي.

أنهيت قهوتي وسيجارتي، حملت حقيبتي، وعدّلت تنورتي السوداء قبل أن أتجه نحو الدفع. هناك، وقف رجل لم ألحظه من قبل… رائحة عطره لم تشبه أي شيء أعرفه، مزيج غريب، عميق. مال قليلًا وأعاد إلي بطاقتي البنكية قائلاً:
– القهوة على حسابي، سيدتي.

فتحت فمي لأرد، لكنه سبقني بدفع الحساب نقدًا وغادر. بقي عطْره في الهواء، يتبعني حتى مكتبي.

جلست أراجع حسابات عملائي، وأنا، في الحقيقة، أعمل كوكيلة في البورصة. لم تمض دقائق حتى شعرت أن تلك الرائحة دخلت المكتب، وجلست أمامي متقاطعة الساقين، مغمورة بالثقة. مد بطاقته وقال:
– أحتاج امرأة مثلك… تسافر معي إلى اليونان. لدي أعمال كبيرة، وأبحث عن أنثى ذكية تشاركني الطريق.

هممت بالرد، لكنه أكمل:
– لم يكن اختيارك اعتباطيًا… راقبتك، درستك. الراتب سيكون كما تريدين. ما رأيك يا آنسة بالنر؟

صمتُّ، أنظر إلى عينيه اللتين تقولان أكثر مما تسمح به الكلمات. ثم قلت:
– أعجبني العرض… كن هنا غدًا لنكمل الإجراءات عند المحامي. لكن… عمليائي؟

ابتسم بهدوء، وأجاب:
– يمكنك العمل معهم حتى وأنت مسافرة.

نهض، تاركًا بطاقته ورائحته في أرجاء المكتب، وغادر.

قطبت حاجبي، وهمست لنفسي: "أيمكن أن أصبح إحدى بطلات الروايات الرومانسية التي كنت أقرؤها؟"
ابتسمت بخفة… ولمَ لا؟
لست عاملة كما قالت زوجة أبي يومًا… أنا ملكة. وأنا أعلم ذلك.
 

الذين يشاهدون الموضوع الآن 1 ( الاعضاء: 0, الزوار: 1 )