
صناعة البهجة، تلك التي يتخيلها البعض، هي في الحقيقة وهمٌ مشيدٌ على أراضٍ مهزوزة. لا توجد إلا داخل مصانع الروح، حيث تُسكب العواطف كما تُسكب الأنهر في مجاريها العميقة، في تلك البقعة التي لا تُرى، والتي لا تصل إليها يد الزمن أو خيوط المنطق. البهجة ليست ملموسة، لا يمكن أخذها من الأرض وفرضها على الوجوه كما تُطبق القوانين على أفكارنا. لا، هي تتولد في دواخلنا، في مكانٍ لا نراه إلا حين نغلق عيوننا عن صخب العالم.
وفي تلك المساحات العميقة من القلب، تنمو الأزهار على إيقاع أنفاسنا، مثلما تنمو الهمسات في الهواء الطلق، تهيم وتختفي وتعود، في مدٍ وجزرٍ متواصل. إنها كالحلم الذي تتدفق أنواره في عيوننا عندما لا نبحث عنه، تلتقطه الأرواح في لحظاتٍ خفية، كما يُلتقط السر في الزمان الضائع.
أما أن نقيسها أو نطبقها في واقعٍ ملموس، فذلك محال. إننا نحاول، أحياناً، أن نزرع السعادة في الأرض كما نزرع الزهور، لكنها تختفي، تذبل في رياحٍ عابرة. فكل محاولة لتثبيت البهجة في الواقع هي كالشعاع الذي لا يمكن الإمساك به بيد، كأغنية تتناثر كلماتها على ألسنةٍ لا تُسمع إلا في لحظات الصمت.