ما هي مفاهيم "الإسلام" الأربع؟
علينا أن نقف لبرهة لنتأمل كيف تعبر كلمة "إسلام" عن عدة مفاهيم وليس مفهوماً واحداً كما يظن البعض
يستخدم الكثيرون كلمة إسلام أو "الإسلام" بصورة عامة وفي الحقيقة فإن هذه الكلمة لها عدة مفاهيم وليس مفهوم واحد كما يتصور الكثيرون... أغلب الناس يظنون أن الإسلام هو فقط الديانة ذات الأركان المعروفة والتي أنزلت على الرسول عليه السلام منذ حوالي ألف وخمسمائة عام...ولو كان الأمر هكذا لما ذكر القرآن أن إبراهيم وموسى وغيرهم من الأنبياء كانوا "مسلمين" وهم لا يعرفون كلمة واحدة باللغة العربية ولم يكونوا يعرفون الرسول محمد عليه السلام ولا يعرفون آية واحدة من القرآن الكريم فهو لم يكن موجوداً في وقتهم.
وتعالوا الآن لنرى سوياً كيف أن هناك أكثر من مدلول لهذه الكلمة قد لا يعرفها البعض أو ربما الكثيرون.
1- المفهوم الأول لكلمة إسلام
هو "الديانة الإسلامية" التي تتبع القرآن ومعروفة بأركانها الخمس مثل الشهادة والصلاة والزكاة وصوم رمضان والحج لمن استطاع إليه سبيلا. وهذا المفهوم بني على حديث يتكلم عن أركان الإسلام. والشيء الجميل هنا أن أركان الشيء ليست هي الشيء نفسه فأركان المنزل على سبيل المثال ليست هي المنزل نفسه، بل أن المنزل يبنى عليها.
2- المفهوم الثاني لكلمة إسلام
هو "المفهوم اللغوي"...
فكلمة إسلام قد تعني "الإذعان" لله مثل "أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون" وقد تعني تفعيل السلام في الأرض فكما جاء في القاموس المحيط فإن من تصريفات كلمة "سلم" في اللغة "المسالم" والسلام" والإسلام" (والأخيرة تعني تفعيل السلام مثل صلح يصلح إصلاحاً وسلم يسلم إسلاماً). ونتذكر هنا ما قاله فرعون وقت غرقه "وأنا من المسلمين".
فبالقطع لم يكن يعني أنه يؤمن بمحمد أو إنه يتبع القرآن أو يؤدي أركان الديانة الإسلامية كما يفهمها البعض. والمعنى الأقرب هنا أن كلمة إسلام في العديد من الآيات إن لم يكن أغلبها تتحدث عن" تفعيل السلام" وليس إسلام الأركان المذكور أعلاه. ونفس الشيء ينطبق على إبراهيم عليه السلام في قوله "ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم" ..
وسيدنا موسى في قوله "وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين"
وأخيراً وليس آخراً قول سحرة فرعون "وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين".
والإسلام في معناه اللغوي "تفعيل السلام" يتضح جلياً في رد الله على فرعون حينما قال "وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فاتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين" فكان الرد الإلهي عليه "الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين". أي أن الإسلام في هذا السياق هي عكس الإفساد في الأرض وعكس العدوان على الآخرين واستضعافهم كما كان يفعل فرعون مع بني إسرائيل وذلك المعنى يتفق مع المفهوم اللغوي والقرآني بأن الإسلام الحقيقي هو "تفعيل السلام في الأرض وعدم الاعتداء على الآخرين" وليس ببساطة أو فقط أداء الأركان الخمس كما يظن الكثيرون. وهذا المفهوم أوجزه الحديث الشريف "المسلم من سلم الناس من لسانه ويده".
3- المفهوم الثالث لكلمة إسلام هو المفهوم الجاهلي العصبي المتعارض مع الإسلام أو كما أطلقت عليه "المفهوم اللاإسلامي!". ومن أمثلة هذا النوع من الإسلام هو ما نراه من قتل زوج لزوجته إن رآها تخونه ودعم المجتمع لذلك ظناً منهم أن ما فعله دفاعاً عن الشرف باسم "الإسلام" وأن مثل هذه الزوجة تستحق القتل. والعجيب في هذا الأمر أن القرآن تعرض لهذا الاحتمال بوضوح في سورة النور وكان موقف القرآن واضحاً للغاية بأن أقصى شيء يمكن للزوج أن يفعله في هذه الحالة أن يشتكي إلى القاضي في قضية تسمى "الملاعنة" وأن شهادة الزوجة بأنها لم تفعل هذا - أي لم تزني - تعطها حكم براءة! وهنا يتجلى الصراع بين إسلام العصبية الجاهلية وإسلام القرآن. فإسلام العصبية الجاهلية يعطي الرجل الحق أن يكون هو القاضي الأوحد وهو الجلاد الذي ينفذ الحكم أيضاً أما إسلام القرآن فهو مختلف تماما، بل ومتناقض مع موقف الزوج ولا يعطيه الحق إن شاهد زوجته في علاقة حميمة مع رجل آخر إلا أن يشتكيها إلى القضاء وتستطيع أن تبريء نفسها ببضع كلمات فقط كما جاء في الآية الكريمة "ويدرا عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله انه لمن الكاذبين" (سورة النور).
4- أما الإسلام الرابع في هذا السياق فهو "الإسلام الراديكالي" أو المتطرف وهو نوع الإسلام الحرفي الذي لا ينظر إلى باقي الآيات فيقتطع منها ما شاء لخدمة أغراضه وهو نفس المفهوم الذي يلغي العمل بآيات السلام بحجة أنها منسوخة ليجعل صورة الدين هي الحرب والعنف وسفك الدماء.
وهنا علينا أن نقف لبرهة لنتأمل كيف تعبر كلمة "إسلام" عن عدة مفاهيم وليس مفهوماً واحداً كما يظن البعض!
د. توفيق حميد
مساؤكم يسير لا يتبعه عسر
وسعادة تغمر قلوبكم