أداة تخصيص استايل المنتدى
إعادة التخصيصات التي تمت بهذا الستايل

- الاعلانات تختفي تماما عند تسجيلك
- عضــو و لديـك مشكلـة فـي الدخول ؟ يــرجى تسجيل عضويه جديده و مراسلـة المديــر
او كتابــة مــوضـــوع فــي قســم الشكـاوي او مـراسلــة صفحتنـا على الفيس بــوك

حقيقة الدنيا والآخره

عطري وجودك

Well-Known Member
إنضم
5 أغسطس 2019
المشاركات
81,739
مستوى التفاعل
2,766
النقاط
113
حقيقة الدنيا والآخره


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أمَّا بعد: ذَكَرَ اللهُ تعالى مُقارنةً بين الدنيا والآخرة في آيات كثيرةٍ من كتابه الكريم؛ ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنعام: 32]. قال السعدي - رحمه الله: (هذه حقيقةُ الدنيا وحقيقةُ الآخرة، أمَّا حقيقةُ الدنيا: فإنها لَعِبٌ ولهو؛ لَعِبٌ في الأبدان ولَهْوٌ في القلوب، فالقلوب لها والِهَة، والنفوس لها عاشِقَة، والهموم فيها مُتعلِّقَة، والاشتغال بها كَلَعِبِ الصبيان.

وأما الآخرة: فإنها ﴿ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ﴾ في ذاتها وصفاتها، وبقائها ودوامها، وفيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين؛ من نعيم القلوب والأرواح، وكثرة السرور والأفراح، ولكنها ليست لكلِّ أحد، وإنما هي للمتقين الذين يفعلون أوامر الله، ويتركون نواهيه وزواجره ﴿ أَفَلا تَعْقِلُونَ ﴾ أي: أفلا يكون لكم عقول، بها تُدْرِكون، أيَّ الدارين أحق بالإيثار).

ومن الآيات التي قارنت بين الدنيا والآخرة؛ قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [يونس: 24، 25]. قال ابن القيم - رحمه الله -: (شَبَّه سبحانه الحياةَ الدنيا في أنها تتزيَّن في عين الناظر، فتَرُوقُه بزينتِها وتُعجِبه، فيَمِيل إليها ويهواها اغترارًا بها، حتى إذا ظنَّ أنه مَالِكٌ لها قادِرٌ عليها سُلِبَها بغتةً أحوج ما كان إليها، وحِيلَ بينه وبينها؛ فشبَّهَها بالأرض التي ينزل الغيثُ عليها، فتَعْشَب ويَحسُن نباتُها، ويَروق مَنظرُها للناظر، فيغتر به، ويظنُّ أنه قادِرٌ عليها مَالِكٌ لها، فيأتيها أمْر الله، فتُدْرِك نباتَها الآفةُ بغتة، فتُصْبِح كأنْ لمْ تكنْ قَبْلُ، فيخيب ظنُّه، وتُصْبِح يداه صِفرًا منها.

فهكذا حال الدنيا والواثِقُ بها سواء، وهذا من أبلغ التشبيه والقياس. ولَمَّا كانت الدنيا عُرْضَةً لهذه الآفات، والجنة سليمة منها؛ قال: ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ ﴾ فسَمَّاها - هنا - دارَ السلام؛ لِسَلامتها من هذه الآفات التي ذَكَرَها في الدنيا. فعَمَّ بالدعوة إليها، وخَصَّ بالهداية مَنْ يشاء، فذاك عَدْلُه، وهذا فَضْلُه).

وقال تعالى - مُبَيِّنًا الفرقَ بين الدنيا والآخرة: ﴿ كَلا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ ﴾ [القيامة: 20، 21]. فهذا الذي أوجب للناس الغفلةَ والإعراضَ عن مواعظ الله تعالى؛ أنهم يُحِبُّون الدنيا العاجِلة، ويسعون فيما يُحصِّلها؛ من اللذات والشهوات، ويؤثرونها على الآخرة، فيتركون العمل لها؛ لأنَّ لذات الدنيا عاجلة، والإنسانُ مُولَع بِحُبِّ العاجل، والآخرة مُتأخِّرٌ ما فيها من النَّعيم المُقيم، فلذلك غَفَلَ الناسُ عنها وتركوها، كأنهم لم يُخلقوا لها، وكأنَّ هذه الدار هي دار القرار، التي تُبذَل فيها نفائس الأعمار، ويُسْعَى لها آناء الليل والنهار!

والنبيُّ صلى الله عليه وسلم بيَّن حقيقة الدنيا والآخرة، وأنَّ الدنيا لا تُساوِي شيئًا مُقارنة بالآخرة؛ كما في قوله: «لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ؛ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ» صحيح - رواه الترمذي. وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذِي الْحُلَيْفَةِ؛ فَإِذَا هُوَ بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ شَائِلَةٍ بِرِجْلِهَا، فَقَالَ: «أَتُرَوْنَ هَذِهِ هَيِّنَةً عَلَى صَاحِبِهَا؟ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ عَلَى صَاحِبِهَا، وَلَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ؛ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا قَطْرَةً أَبَدًا» صحيح - رواه ابن ماجه.

والمقصود من ذلك: التزهيدُ في الدنيا، والترغيبُ في العُقْبَى؛ فإنَّ حُبَّ الدنيا رأسُ كلِّ خطيئة، واللهُ تعالى لم يجعل الدنيا مقصودةً لذاتها؛ بل جعلها طريقًا موصِلَةً إلى الآخرة، ولم يجعلْها دارَ إقامةٍ، ولا جزاءٍ، وإنما جعلها دارَ انتقالٍ وارتحال، وأنه تعالى مَلَّكَها - في الغالب - للكفار والفساق، وحَمَى منها الأنبياءَ ووُرَّاثَهم.

وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَاللَّهِ، مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ - وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ - فِي الْيَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ» رواه مسلم. قال ابن القيم - رحمه الله -: (وهذا من أحسَنِ الأمثال؛ فإنَّ الدنيا مُنقطعةٌ فانية، ولو كانت مُدَّتُها أكثر مما هي، والآخرةَ أبديةٌ لا انقطاع لها، ولا نسبة للمحصور إلى غير المحصور. بل لو فُرِضَ أنَّ السماوات والأرض مملوءتان خردلًا، وبعد كلِّ ألفِ سنةٍ طائر ينقل خردلة؛ لفني الخردل، والآخرةُ لا تفنى، فنسبة الدنيا إلى الآخرة في التمثيل؛ كنسبة خردلة واحدة إلى ذلك الخردل).

وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: نَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى حَصِيرٍ، فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَوِ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً. فَقَالَ: «مَا لِي وَمَا لِلدُّنْيَا؛ مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» صحيح - رواه الترمذي. قال ابن القيم - رحمه الله -: (فتأمَّلْ حُسْنَ هذا المِثال، ومُطابقَتَه للواقع سواء؛ فإنها في خُضْرَتها كشجرة، وفي سُرعة انقضائها وقبضِها شيئًا فشيئًا كالظِّل، والعَبدُ مُسافِر إلى ربِّه، والمُسافِر إذا رأى شجرةً في يومٍ صائفٍ لا يَحْسُنُ به أنْ يبني تحتها دارًا، ولا يتَّخِذها قرارًا؛ بل يستظل بها بقدر الحاجة، ومتى زاد على ذلك انقطعَ عن الرِّفاق).

الخطبة الثانية

الحمد لله... عبادَ الله.. إنَّ هذه المقارنة السابقة بين الدنيا والآخرة؛ لا تعني الرَّهبنةَ، وتركَ العمل، والزُّهدَ في طيبات الحياة الدنيا وتحريمها؛ بل المؤمن مأمور بتناولها بالطريق الحلال، وصَرْفِها في الحلال، وطاعة الله تعالى من غير مَخِيلَةٍ ولا إسراف؛ قال الله تعالى: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا ﴾ [القصص: 77]. يقول السعدي - رحمه الله -: (أي: قد حَصَلَ عندك من وسائل الآخرة ما ليس عند غيرك من الأموال، فابتغِ بها ما عند الله، وتَصَدَّق ولا تقتصر على مُجَرَّد نيل الشهوات، وتحصيل اللذات، ﴿ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ أي: لا نأمرك أنْ تَتَصَدَّق بجميع مالِكَ وتبقى ضائعًا؛ بل أنفِقْ لآخرتك، واستمتِعْ بدنياك استمتاعًا لا يَثْلِم دِينَك، ولا يضرُّ بآخِرتِك).

ومن الأحاديث التي تحث على العمل؛ قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ» صحيح - رواه أحمد. وقال عليه الصلاة والسلام: «لأَنْ يَغْدُوَ أَحَدُكُمْ فَيَحْطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ، فَيَتَصَدَّقَ بِهِ، وَيَسْتَغْنِيَ بِهِ مِنَ النَّاسِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ رَجُلًا أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا أَفْضَلُ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى» رواه مسلم.

والعبدُ مأمورٌ بالإكثار من ذِكْرِ الآخرة، والزهدِ في الدنيا، والحذرِ منها ومن فِتَنِها، فحينئذ لا يكترث بزهرتها، ولا تغره زينتُها، ولا يحزن على فواتها، فتتولد لديه القناعة، وسلامة القلب من الحرص والحسد والغل والشحناء، والراحة النفسية، والسعادة القلبية، وقوة الاحتمال والصبر على الشدائد والابتلاءات؛ رجاءً فيما عند الله تعالى من العِوَض والثواب؛ ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10].

ومن أخطرِ الأبواب التي يدخل منها الشيطان على الإنسان؛ طول الأمل، والأماني الخادعة التي تجعل صاحبَها في غفلة شديدة عن الآخرة، وتضييع العمر في اللهاث وراء الدنيا، حتى توافيه المَنِيَّة، وتذهب نفسه حسرات على ما فرَّطت وأضاعت من الأوقات.
 

البرآق

نبض آخر
إنضم
27 أغسطس 2017
المشاركات
30,189
مستوى التفاعل
493
النقاط
83
رد: حقيقة الدنيا والآخره

طرح راقي
أهنيك على هذا الموضوع الرائع
والجميل
لاحرمنا الله من تجدد مواضيعك الشيقه
يعطيك الف عافيه

مودتي
 

عطري وجودك

Well-Known Member
إنضم
5 أغسطس 2019
المشاركات
81,739
مستوى التفاعل
2,766
النقاط
113
رد: حقيقة الدنيا والآخره

شكرا للمرور العطر
تحيتي والتقدير
 

قيصر الحب

::اصدقاء المنتدى و اعلى المشاركين ::
إنضم
2 أغسطس 2016
المشاركات
369,315
مستوى التفاعل
3,191
النقاط
113
رد: حقيقة الدنيا والآخره


بارك الله في جهودك
وأسال الله لك التوفيق دائما
وأن يجمعنا على الود والإخاء والمحبة
وأن يثبت الله أجرك
ونفعا الله وإياك بما تقدمه
 

عطري وجودك

Well-Known Member
إنضم
5 أغسطس 2019
المشاركات
81,739
مستوى التفاعل
2,766
النقاط
113
رد: حقيقة الدنيا والآخره

شكرا للمرور الكريم
تحيتي والتقدير
 

الذين يشاهدون الموضوع الآن 1 ( الاعضاء: 0, الزوار: 1 )