قبل أعوام قليلة، أخذني التيار الجارف للحياة، غرقت في ظنوني وخيالاتي، وأصبحت رجلا يشق قلبه الشك والوحدة، مأخوذا بفكرة تغيير العالم وإيجاد مساره. ووضعه على خطى الأجداد الذين مضوا، باحثا عن الكلمات التي تشعل فتيل النار في روح الكون.
قست لغتي وازدادت كلماتي حدة، وتهشمت أصابع الطفل في داخلي على أوتار القلب الأسمنتي الذي حملته، كنت رجلا لا يشبهني، رجل لا يهزه فراق الأحبة، لا يبكي ولا ينشد النجاة من أحد، ماضيا في طريقه دون عودة، كما لو أنه ولد لقدر عظيم!
غير أني في خضم إرشاد العالم... أضعت نفسي، ومن أحب. خسر رجل الخرسان كل ما يملك، فلا ضحكة اليوم تؤنس مسير عمره، ولا لمسة يتحسسها جلده الصلب، ولا أمان يضم روحه، وحينما ينظر إلى الأفق الشاسع البعيد لا يرى غير الضياع، فيما لو سألوه عن اسمه لن يجيب، فمن هو الرجل دون من يحبه!
خسرت أم خسر، لا فرق بيننا نحن الذين اتخذنا طريق المرارة والشوك وسحقنا الورد بين أيادينا.
لا ندم يعيدني ولا أنوي مناجاة السماء ولا مناداة الطير الراحل نحوهم، ولا الريح لتحمل ما في قلبي، ولا أرجو من الماء سوى الغرق، لأفنى وأنهي هذا الوفاء لكابوس إرادته روحي وخذلني فيه قلبي، قلبي الذي ينبض لأجلهم، قلبي الذي يريدهم، قلبي الذي نبذ حلمه لأجلهم... فقط لأجلهم.